النفع (١). والهاء في (بِهِ) كنايةٌ عن السحر وعما يفرقون به.
وتقديره: وما هم بضارين به أحدًا، إلا أنه أدخلَ (مِنْ) (٢) للتأكيد (٣)، كما قال: ﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ (٤). وقال الشاعر (٥):

وقفتُ فيها أصيلًا أسائِلُهَا أعيتْ جوابًا وما بالرَّبْعِ من أَحَدِ
﴿مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ أي في الآخرة، ويحتمل أنه نفى النفع وأثبت الضر لأن الضرَّ في نفسه على معنى الطبيعة، والنفع بالتقدير. ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ يعني اليهود. ﴿مِنْ خَلَاقٍ﴾ نصيب جميل. قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ﴾ (٦)، و ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ منصوبة بنزع الخافض فهي مشترى لها [والآخرة مشترى بها والسحر: مشترى، ويحتمل أن أنفسهم مشترى بها] (٧) فيكون حينئذٍ ﴿شَرَوْا﴾ بمعنى باعوا (٨)، [وإنما باعوا] (٩) أنفسهم بتفويت حظِّها من الآخرة. وفعلهم مذموم سواء
(١) ومنه قول الشاعر:
إذا أنتَ لم تَنْفَعْ فَضُرَّ فإنما يراد الفتى كي ما يضر وينفعُ
(٢) (من) إضافة منَّا ليستقيم المعنى.
(٣) "مِنْ" زائدة لتأكيد الاستغراق، ولذا قال أبو البقاء: إن "أحدًا" يجوز أن يكون بمعنى واحد، ومن المعلوم أن "مِنْ" تزاد في المفعول به المعمول لفعل منفي نحو: ما ضربت من أحدٍ، إلا أنه حملت الجملة الاسمية الداخل عليها حرف النفي على الفعلية المنفية في ذلك لأن المعنى: وما يضرّون من أحد. [الإملاء (١/ ٥٥)].
(٤) سورة التوبة: ١٢٧.
(٥) الشعر للنابغة الذبياني، والبيت في ديوانه (٣٠).
(٦) سورة التوبة: ٦٩.
(٧) ما بين [...] ليست في "أ".
(٨) شرى بمعنى باع معروف في كلام العرب، ومنه قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠] وقوله تعالي: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ [البقرة: ١٦] فالأول شراء حسي والثاني شراء معنوي، والعرب تقول لكل من ترك شيئًا وتمسك بغيره فقد اشتراه.
[المحكم لابن سيده "شرى" (٨/ ١٠٠) - الطبري (٢/ ٣٦٧)].
(٩) ما بين [...] ليست في "ن".


الصفحة التالية
Icon