تقول: راعني، أي تَعَهَّدْني وافهم عني وأفهمني (١)، وقال الأزهري (٢): ظاهرها أَرِعْنَا سمعَكَ (٣)، وكانت اليهود تذهب بها إلى الرعونة، والأرعن الأحمق (٤). وقيل: كانوا يقولون: راعينا، يعنون: راعي السائمة، فنسخ الله تعالى تلك الكلمة بقوله: ﴿انْظُرْنَا﴾ أي: انتظر وارتقب ما يكون من سؤال أو نحوه، والإنظار: التمهيل. والنَّظِرَة: المُهلة، ونَظَرتُ الشيء (٥)، أي انتظرته.
قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ (٦)، وقال: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ (٧). وقرأ الحسن: ﴿رَاعِنَا﴾، منونًا، لأنه ظنَّ أنها لفظةٌ كالأسماء فنصبها بوقوع القول عليه، كنصب مَنْ نصب ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ (٨).
﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ نزلت في الإخبار عن حسد الكفرة وما يضمرونه من البغضاء (٩) ليفتضحوا به ويزداد الذين آمنوا شكرًا لله تعالى
(٢) محمَّد بن أحمد بن طلحة أبو منصور الأزهري الهروي الشافعي، والأزهري نسبة إلى جدِّه الأزهر. ولد في هراة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، أَسَرَتْهُ القرامطة عند عودته من الحج، فبقي في أسره دهرًا طويلًا ثم تخلَّص من الأسر ودخل بغداد وحضر مجالس العربية وبرز فيها، وأخذ عن نفطويه وابن السراج والبغوي وغيرهم. وأبرز كتبه "تهذيب اللغة". توفي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
[الكامل (٩/ ٥٥)؛ معجم الأدباء (١٨/ ٩٩)؛ الأنساب للسمعاني (٥٢٧)؛ مقدمة تهذيب اللغة].
(٣) وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال في قوله تعالى: ﴿رَاعِنَا﴾ أي: أرْعِنا سمْعَك. أخرجه الطبري في تفسيره (٢/ ٣٧٤)، وهذه الكلمة "راعنا" كانت اليهود تقولها على وجه الاستهزاء والسب فنهى الله - عَزَّ وجَل - المؤمنين أن يقولوا ذلك للنبي - ﷺ -.
[الطبري (٢/ ٣٧٤) - ابن أبي حاتم (١/ ١٩٧) - تفسير عبد الرزاق (١/ ٥٤)].
(٤) لم أجده في مؤلفات الجوهري لكن نقله عنه أبو عبيد الهروي في الغريبين (٣/ ٧٥٤).
(٥) في "ب": (نظير الشيء) وهو خطأ.
(٦) سورة فاطر: ٤٣.
(٧) سورة الحديد: ١٣.
(٨) سورة البقرة: ٥٨.
(٩) في جميع النسخ (النعماء) وهذا خطأ، ولعل ما أثبتناه هو أصوب، والله أعلم.