وتخصيصُ ذلك اليوم لتعظيم شأنه، كما يقال: ربُّ الكعبة، وإله إبراهيم.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ تقديره: نعبدُكَ ونستعينُكَ، فلما قدِّمَ الضميرُ ليكونَ ذكرُهُ أهمَّ من ذكر العبادة (١)، قيل: كذلك مثاله قولهم: [إياك] (٢) ضربتُ.
وإنما حَسُنَ العدول عن المُغايبةِ إلى المُخاطبة لدلالة الحال أن المعنى واحدٌ، كقوله: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦)﴾ (٣). والعبادةُ: الديانة (٤)، وهو التمسك بالطاعة في تذلُّلٍ وخضوعٍ (٥)، منه قولهم: دَانتْ لهُ الرقابُ. ولا يعبد الله إلا مَنْ يطيعه.

= بل تكرر مثل هذا الإطلاق في كتاب الله، ومنه قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)﴾ [الانفطار: ٩] يعني بالجزاء، وقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦)﴾ [الواقعة: ٨٦] يعني غير مجزيين بأعمالكم.
(١) قُدِّم المعمول ﴿إِيَّاكَ﴾ على عامله ﴿نَعْبُدُ﴾ لإفادة الحصر، وهذه قاعدة معروفة، ومعناه: لا نعبد إلا إياك، وهذا هو الأنسب أن يكون منفصلًا لتعذر الوصل حينئذ. وهذا ما ذهب إليه شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في تفسيره (١/ ١٣) على عكس ما قدره المؤلف متصلًا، بل قال السمين الحلبي في تفسيره "الدر المصون" (١/ ٥٥) أنه واجِب الانفصال وأنه واجب التقدم على عامله، وثمة نكتة بلاغية في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وهي الالتفات وهو الانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ولو جرى الكلام على أصله لقال: الحمد لله، ثم قيل: إياه نعبد. ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ ولم يقل بكم.
(٢) ما بين [...] ليست في الأصل وضعتها ليستقيم المعنى.
(٣) النحل: ٥٦.
(٤) أجمع ما قيل في "العبادة" هو ما عَرَّفه شيخ الإِسلام ابن تيمية [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص ٢٠] فقال: هي اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
(٥) غاية المحبة مع التذلل والخضوع شرط في العبادة كما ذكره المؤلف وأشار إليه ابن القيم في نونيته بقوله:
وعبادة الرحمن: غاية حُبَّهِ... مع ذلَّ عابده، هما قطبانِ
ومداره بالأمر- أمر رسولهِ -.... لا بالهوى والنفسِ والشيطانِ
نكتة بلاغية:
في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ معنى "لا إله إلا الله" المتضمنة النفي والإثبات، =


الصفحة التالية
Icon