والاستعانة: طلب العون، وهوَ في الأصل: "نَسْتَعْوِنُ" (١)، فنُقلت كسرةُ الواو إلى الساكن قبلها، فانكسر ما قبل الواو، فانقلبت ياءً، نحو "مِيعَاد"، و"مِيزان ".
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾، أي: أرشدنا الطريق الواضح الذي لا ينثني ويؤديك إلى مقصدك، وهو شريعة (٢) نوحٍ وملة إبرا هيم وعلومهما - عليه السلام -، والمراد بهذا السؤال: التثبت والاستدامة (٣) دون الاستئناف (٤)، كقولك للقائم: قم حتى أرجع.
﴿صِرَاطَ﴾: بدل عن الصراط الأول (٥). ﴿الَّذِينَ﴾: اسم ناقصٌ

= فتقديم المعمول ﴿إِيَّاكَ﴾ الذي يفيد الحصر فيه معنى النفي وقد تقرر هذا في الأصول في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهِوم المخالفة وأشار إلى الإثبات منها بقوله: ﴿نَعْبُدُ﴾، وبهذا يتبين أن معنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هو معنى الشهادة "لا إله إلا الله ".
(١) أي أن في ﴿نَسْتَعِينُ﴾ إعلالًا بالتسكين واعلالًا بالقلب. أما الإعلال بالتسكين فإن أصل ﴿نَسْتَعِينُ﴾ "نستعوِن" بكسر الواو، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين وسكنت الواو - وهذا إعلال بالتسكين. ثم قُلبت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها - وهذا إعلال بالقلب.
(٢) فُسَّرَ ﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ بأنه الإسلام، وهو صريح بهذا اللفظ في حديث النواس بن سمعان مرفوعًا: "ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا... " الحديث، وفيه: "فالصراط الإسلام". أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٤/ ١٨٢) والحاكم في مستدركه (١/ ٧٣) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وفسَّر الصراط بأنه حبل الله المتين، وفُسِّر بأنه كتاب الله، وفُسِّر بأنه الحق، وفُسِّر بأنه اتباع النبي - ﷺ -. وكل هذه التفاسير مترادفة ومتلازمة لا يخالف بعضها بعضًا.
(٣) في جميع النسخ "الاستدانة" ولعل المثبت أصح.
(٤) وهو الذي رجحه ابن كثير في تفسيره (١/ ٤١) أن المراد بالسؤال - سؤال الهداية - المداومة والاستمرار والثبات على العمل الصالح لأن العبد مفتقر في كل ساعة وحال إلى الله - عَزَ وَجَلَّ - في تثبيته على الهداية واستمراره عليها.
(٥) أي بدل كل من كل، وهو بدل معرفة من معرفة، وفائدة البدل هنا الإيضاح بعد الإبهام، كما أنه يفيد تأكيدًا من حيث المعنى، إذ هو على نية تكرار العامل. وَجَوَّزَ ابن كثير (١/ ٤١) أن يكون "صراط" الثانية عطف بيان. وقال ابن عاشور [التحرير والتنوير (١/ ١٩٢)] أن البدل وعطف البيان هنا على حد سواء لا تفاضل بينهما.


الصفحة التالية
Icon