قبل الدعوة، ومواساة الفقراء محمود عند كل ذي عقل، فماذا عليهم في الإجابة لداعٍ يدعو إلى هذه المعاني (١)، سواء كان عدوًا أو صديقًا صغيرًا أو كبيرًا. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ﴾ لا يخلف الوعد بزيادة العقاب أو نقص الثواب، ومجازه أن الله لا يظلم شيئًا وإنما ذكر ذلك لأنه أقل ما يثبت في القواعد المحسوسة، أو لأنه أقل أجزاء (٢) الجوهر لا يستثير منه بعضه. ومثقال الشيء مقداره في الوزن، والذرة من الحيوان النملة الصغيرة الحمراء؛ وهي جسم مؤلف من الذرة، والجماد جزء واحد من أجزاء الغبار وذلك ليس بجسم. فالله تعالى لا يزيد في عقاب ولا يبخس من ثواب ذلك القدر، فإن كان ذلك القدر حسنة ضعفها إلى عشرة أمثالها إلى سبع مائة إلى ما شاء من فضله، وإنما وصف الأجر بالعظم لأنه لا ينقص ولا ينفد.
﴿فَكَيْفَ﴾ في مثل هذا الموضع تقتضي تهويل الأمر، وتقديره: كيف يختالون وكيف يصنعون أو كيف هم أو كيف حالهم، وحذف المستفهم عنه أبلغ في التهديد ليذهب نفس السامع كل مذهب، والمراد بالتوقيت يوم القيامة، كما في قوله: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا (٣) عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النحل: ٨٩] والشهداء: الأنبياء والمرسلون وسائر الأئمة، يقولون: هذا أجاب وهذا لم يجب وهذا أطاع وهذا لم يطع، وذلك بعد أن يثبت الله أقدامهم وينزل عليهم السكينة ويذهب بالوجل عن قلوبهم، وأما في ابتداء الوهلة فيقولون: لا علم لنا كما قال: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ﴾ [المائدة: ١٠٩] الآية، وعميت الأنباء على المشهود عليهم أيضًا فلا يتساءلون، ثم يوقف الله من يشاء للجواب الصالح ويجحد من قدر له الجحود، ثم ينطق أسماعهم وأبصارهم وجلودهم بفعلهم (٤) فحينئذ

(١) في "ب": (المعايل في).
(٢) في "أ": (الجزاء).
(٣) في "ب": (ليشهد).
(٤) (بفعلهم) من "أ" "ب".


الصفحة التالية
Icon