وهذا قوله ﴿فَلَا﴾ أقسم ولو أنه لتأكيد (١) النفي المتأخر عن القسم على سبيل التكرار كما تقول والله لا أفعل كذا. ﴿وَرَبِّكَ﴾ قسم ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ لا يكونون مخلصين في الإيمان ﴿حَتَّى﴾ إلى أن يتحاكموا إليك ويرجعوا إلى قولك فيما التبس واختلط عليهم من الأمر بسبب الشجر، ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا﴾ معطوفة على ﴿يُحَكِّمُوكَ﴾، و (الحرج) الضيق ولذلك سمي موضع الشجر الملتف حرجًا ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ويفوضوا الأمر إليك تفويضًا.
﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ قيل: لما رجع الزبير وخصمه حاطب ابن أبي بلتعة من عند رسول الله - ﷺ - (٢) مرّ خصمه على المقداد وقيل: على ثابت بن قيس وعنده يهودي فقال: لمن كان القضاء؟ قال: لابن عمته ولوى شدقه، ففطن اليهودي بذلك فقال (٣): قاتل الله هؤلاء يزعمون أنّ محمدًا نبي ثم يتهمونه في حكمه ولا يرضون به، فقال المقداد أو ثابت: والله لو أمرني محمَّد أن أقتل نفسي لقتلت، ولو أمرني أن أخرج من (٤) مالي لخرجت، فأنزل الله الآية (٥). ﴿إِلَّا قَلِيلٌ﴾ هذا القليل عمار وابن مسعود (٦)، ﴿مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ ما يؤمرون به من أمر، وإنما قال: ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ لأنه مشقة يوجب راحة دائمة فهو خير من لذة عاجلة تؤدي إلى العقاب، ﴿وَأَشَدَّ﴾

(١) في الأصل: (للتأكيد).
(٢) (صلى الله عليه وسلم) من "ب".
(٣) في "ي" "ب": (وقال).
(٤) في "ب": (عن).
(٥) هذه الرواية لم أجدها بهذا السياق ولكني وجدت التالي:
- أما مخاصمة الزبير وحاطب فرواها ابن أبي حاتم (٥٥٥٩).
- ومن قوله: (مرّ خصمه على المقداد) إلى قوله: (ولا يرضون به) فعزاه ابن حجر في العجاب (٢/ ٩٠٧) للثعلبي.
- ومن قوله: (فقال المقداد أو ثابت) إلى نهاية القول. فهو عند الطبري (٧/ ٢٠٦، ٢٠٧)، وابن أبي حاتم (٥٥٦٨) عن ثابت بن شماس.
(٦) عزاه لهما مقاتل في تفسيره (١/ ٢٠٥) وقيل: لما نزلت الآية قال رجل: لو أُمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافنا فبلغ ذلك النبي - ﷺ - فقال: "إن من أمتي لرجالًا، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي" أخرجه ابن جرير (٧/ ٢٠٧).


الصفحة التالية
Icon