فأنزل الله الآية (١)، وقال مجاهد: نزلت في اليهود (٢)؛ وذلك أن موسى -عليه السلام- (٣) كان يأمرهم بالصبر وهم يريدون القتال، فلما كتب عليهم القتال وهم في التيه قالوا: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾ [المائدة: ٢٤]، وقيل: نزلت في قوم منافقين (٤)، و (الكف): الإمساك والحبس. و (لما): ظرف زمان (٥)، والعامل فيه (٦) فجاءة (٧) الفريق الخشية. و ﴿إِذَا﴾ للتوقيت إن اتصلت بالفعل، وإن اتصلت بالاسم أفادت الفجاءة ﴿يَخْشَوْنَ﴾ في معنى الحال وتقديره: فلما كتب عليهم القتال فجىء فريق منهم خاشين، والمراد بخشيتهم من الناس الجبن دون الاعتقاد والحزم. ﴿كَخَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أي: مثل خشيتهم من الله ﴿أَوْ أَشَدَّ﴾ أي: وأشد، وإنما جاز الوصف بالخشية الممثلة دون الأشد لأن الأقل داخل في الأكثر، وقيل: أو هاهنا للإبهام (٨) كأنهم (٩) موصوفون بإحدى الخشيتين لا بعينها (١٠). وقوله: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾ إن كان إخبارًا عن المؤمنين (١١) فهو سؤال بمعنى

(١) ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره (١/ ٢٥٢) في نفس الرواية السابقة.
(٢) ابن جرير (٧/ ٢٣٣)، وابن المنذر (٢٠٠٦)، وابن أبي حاتم (٥٦١٩).
(٣) (السلام) ليست في "ي".
(٤) ذكرهم ابن الجوزي في "زاد المسير" (٢/ ١٣٤)، والقرطبي (٥/ ٣٨١) دون نسبة لأحد.
(٥) تقدم الحديث على "لما" وأنها حرف وجوب لوجوب عند سيبويه وظرف زمان بمعنى حين عند أبي علي الفارسي وأن الأقرب هو قول سيبويه؛ لأنها أجيبت بإذا الفجائية وأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها فأغنى عن إعادته. انظر الآية (١٧) من سورة البقرة.
(٦) (فيه) ليست في "ب".
(٧) في الأصل و"ي": (فجاه).
(٨) في "ب": (للأوهام).
(٩) في الأصل: (كانوا).
(١٠) الأظهر هنا أن "أو" للتنويع والتقدير: أن منهم من يخشاهم كخشية الله، ومنهم من يخشاهم أشد خشية من خشية الله. وقد تقدم مثلها في سورة البقرة الآية (٢٠٠) في قوله تعالى: ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠].
(١١) استنكر القرطبي (٥/ ٣٨١) أن يكون هذا كلام الصحابة فقال: (ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم يعلم أن الآجال محدودة والأرزاق مقسومة، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين، يرون الوصول إلى الدار الآجلة خيرًا من المقام في الدار العاجلة، على ما هو معروف من سيرتهم - رضي الله عنهم -) أهـ.


الصفحة التالية
Icon