الاسترشاد، وإلا فهو بمعنى الإنكار ﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿أَخَّرْتَنَا﴾ على وجه الطلب. وذلك أنه لما لزمهم فرض الجهاد وخافوا (١) القتل وطلبوا التأخير إلى أجل قريب للتخلص في الحال، كما نقول للمطالب: (خلني ساعة) وفي قوله: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ تزهيد لهم في الدنيا، وقوله (٢): ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ ترغيب في (٣) الآخرة.
﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا﴾ نزلت في المنافقين الذين قالوا لإخوانهم ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٥٦]. ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ﴾ تأكيد للشرط وتقديره: أينما تكونوا ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ يدرككم الموت، وواحد البروج: برج، وهو القصر المرتفع سُمي برجًا لظهوره، وقيل (٤): ومنه سمي الكواكب بروجًا، وتشييد (٥) البنيان تكرار الفعل في رفعه وأحكامه ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ إخبار عن بعض المنافقين تشاءموا بالنبي -عليه السلام- وقالوا: نقص بقدومه غلاتنا وغلت أسعارنا (٦)، وهو قريب من قصة آل فرعون ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ [الأعراف: ١٣١] الآية، و (الفقه): إدراك العلم بالفهم، فَقِهَ إذا فهم، وفَقُهَ إذا صار فقيهًا.
﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾ ليس بين الآيتين تضاد (٧) لأنه تعالى قال: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾ ولم يقل: ما أصابهم من حسنة. ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ وما أصابهم من سيئة ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ ولو كان (٨) قال هكذا يحملنا الأول على الحكاية
(٢) (وقوله) ليست في "ب".
(٣) في "ب": (إلي).
(٤) في "أ" "ي" والأصل: (قيل) بدون واو.
(٥) أصلها (الشيد) بكسر الشين وهو كل ما طلي به الحائط من جص أو بلاط، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] والمشدد لتكثير الفعل.
هذا قول والآخر أن المشيّد هو المرتفع المطوّل، والمشيد هو المطلي بالشيد، انظر القرطبي (٥/ ٣٨٣).
(٦) انظر القرطبي (٥/ ٢٨٤).
(٧) في "ي" "أ": (تضاد)، وفي الأصل: (تضاده).
(٨) (كان) ليست في "ب".