الحمل. قال -عليه السلام-: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض" (١) فكان هذا المستخرج يقول قوله -عليه السلام- هذا حجة على جميع الفلاسفة حيث إنه علم ولم يكن منجمًا ولا صاحب منجم، ثم بين الله للمؤمنين محافظة حساب القمر دون الشمس؛ لأنه أحوط لأوقات العبادة. وروي أن اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية كان قد اتفق عند اليهود والنصارى والمجوس.
﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ التي ماتت بالمنعِ عن التنفس ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ التي وُقذت بالعصا وضربت حتى ماتت ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ (٢) التي ماتت بالتردي (٣) من أعلى إلى أسفل ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ التي نطحتها صاحبتها فقتلتها. وذكر الأربع ليبين أن سبب الموت إذا كان ظاهًا لم يقم مقام الذكاة بخلاف السمك ﴿وَمَا أَكَلَ﴾ افترس السبع ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ ذبحتم، والتذكية: التطهير. وفي الحديث: "ذكاة الأرض يبسها" (٤) الاستثناء راجع إلى ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ وقيل إلى ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ فما بعدها، وشرط الاستدراك أن يكون حياتها واضطرابها أكثر من حياة المذبوح و ﴿النُّصُبِ﴾ ما نصب من الأوثان إلا أنه لا صورة له والصنم مصور (٥) ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ وذلك ما يتقامرون به، كانوا يجتمعون عشرة ويشترون جزورًا ويضربون بالأزلام -وهي القداح واحدها زلم وزُلم- يطلبون القسمة، فمنهم من ذهب باللحم ومنهم من غرم الثمن

(١) البخاري (٤٥)، ومسلم (٣٠١٧).
(٢) في الأصل: (المتردي).
(٣) في "أ": (التي ماتت بالمنع عن النفس) وهو خطأ.
(٤) هذا الحديث احتجت به الحنفية مرفوعًا في كتبهم كالهداية، ولا أصل له مرفوعًا وإنما ورد عن محمَّد بن علي الباقر، وروي عن أبي قلابة من قوله بلفظ: جفوف الأرض طهورها.
(٥) أي أن الأنصاب غير الأصنام فهي نوع من الحجارة يذبح عليها أهل الجاهلية. وكان عند الكعبة ثلاثمائة وستون حجرًا فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدمَ على ما أقبل من البيت وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة. روي ذلك عن ابن عباس وابن جريج ومجاهد وقتادة، رواه عنهم الطبري في تفسيره (٨/ ٧٠). وانظر: تفسير مجاهد، ص٣٠٠، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن المنذر.


الصفحة التالية
Icon