أخذ الله بقوله علينا (١) قوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] وقيل: الخطاب للمؤمنين من اليهود، و (الميثاق) ما أخذ الله عليهم في التوراة (٢)، وقيل: الخطاب لأصحاب الشجرة أو لأصحاب العقبة، والميثاق هي البيعة المأخوذة منهم ﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ الضمائر، سمي للعرض هاهنا ذا جوهر، والجوهر في سائر المواضع ذا عرض فقال سبحانه وتعالى: ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠] و ﴿ذَاتِ قَرَارٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] و ﴿ذَاتِ الشَّوْكَةِ﴾ لاتساع لفظ (ذا) وإطلاقه على جميع ما ينطلق عليه اسم الشيء؛ وهو إذا أضيف إلى شيء أعربه وخرج عن كونه مشارًا إليه، وهو عند الإضافة هو المضاف إليه في الحقيقة دون ما أضيف إليه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ نزلت في النبي -عليه السلام- ذهب إلى اليهود يستقرضهم شيئًا في تحمل الدية فهمّوا بقتله فأنزل الله (٣)، وقيل: هي في صدّ قريش، و (العدل مع الكفار) أن لا يجاوزوا بالمثلة وقتل (٤) النساء والصبيان، والمقابلة بالبهتان ﴿هُوَ﴾ عائد إلى القتل، والتفضيل وقع على غير العدل مما ذكرنا.
﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾ المغفرة والأجر العظيم، وإنما ارتفع على الابتداء أو على أنه خبر اللام ولم ينتصب (٥) لأنه جاء محكيًا إذْ الوعد كالقول (٦).

(١) وهذا قول مجاهد رواه ابن جرير (٨/ ٢٢٠)، تفسير مجاهد (٣٠٢)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٦٥) إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره (٢/ ٤١) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٣) أخرجه ابن جرير (٨/ ٢٢٨) عن عبد الله بن كثير. وانظر: سيرة ابن هشام (٣/ ١٨٣)، والبداية والنهاية لابن كثير (٥/ ٥٢٨) وسنده ضعيف ففيه ضعيفان ومدلس.
(٤) في "ب" "ي" والأصل: (وقيل).
(٥) في الأصل: (ينصب).
(٦) إجراء الوعد مجرى القول هو مذهب كوفي ويجعل "وعد" واقعًا على الجملة التي هي قوله "لهم مغفرة". و"وعد" تتعدى لاثنين، الأول: الاسم الموصول، والثاني: محذوف. وجملة "لهم مغفرة" مفسرة لذلك المحذوف وهي الجنة وقد صرح بها في آية التوبة (٧٢) في قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ﴾ [التوبَة: ٧٢] الآية. =


الصفحة التالية
Icon