﴿وَأَلَّفَ﴾ والتأليف الجمع بين شيئين بتوفيق الطبيعة دون القهر، والمراد به ما ألف الله به قلوب أوليائه من معرفته والموالاة في ذاته (١) من غير رحم ولا عصبة ولا جوار ولا صحبة ولا اصطلاح (٢) زمان فهم كنفس واحدة تجسدت من جوهر طيب، ثم نطقت بروح الوحي معصومة من الفتن والبغضاء وأمراض الأهواء، وقيل: أراد التأليف بين الأوس والخزرج من بعد ما كانت بينهم عداوة قديمة (٣).
﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ﴾ في محل الخفضِ عطفًا على الضمير في ﴿حَسْبُكَ﴾ وقيل: الكاف في ﴿حَسْبُكَ﴾ في محل النصب، وقيل: إنه في محل الرفع عطفًا على اسم الله وتأويله حسبك (٤) تأييد الله بلا سبب وتأييد ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٥).
ثم تعبّد الله المؤمنين بمصابرة عشرة أمثالهم ووعد لهم النصر عليها، ثم نسخ هذا بالمصابرة بمثليهم (٦)، ولم يبلغنا أنهم عملوا بهذا المنسوخ وغلبُوا على هذه الشريطة قبل نسخ الوجوب، وأما بعد نسخ الوجوب (٧) فقد بلغنا ذلك وأعظم منه.

(١) في "أ": (ذات).
(٢) في الأصل: (ولا عصبة والأجوار وصحبة والاسطلاح) وهوخطأ.
(٣) قاله ابن إسحاق والطبري وابن الجوزي وغيرهم.
[تفسير الطبري (١١/ ٢٥٦)، زاد المسير (٢/ ٢٢٢)].
(٤) من قوله: (وقيل الكاف) إلى قوله: (وتأويله حسبك) ليست في "ب".
(٥) ما ذكره المؤلف أن "من اتبعك" في محل الخفض عطفًا على الضمير الكاف هو رأي الكوفيين كما نقله عنهم صاحب الإنصاف (٢/ ٤٦٣)، ولذا قدره الشعبي وابن زيد: حسب من اتبعك.
وهناك قول آخر وهو ما ذهب إليه الزمخشري وهو أن الواو بمعنى مع وما بعده منصوب فهو كقولهم: "حسبك وزيداٌ درهمٌ" ولا تَجُرَّ لأن عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع ومنه قول الشاعر:
... فحسبك والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
ويكون التقدير في الآية: كفاكَ وكفى تُبَّاعَكَ المؤمنين اللهُ ناصرًا.
[الكشاف (٢/ ١٦٧)، الدر المصون (٥/ ٦٣٢)].
(٦) في الجميع: (لمثيلهم) والمثبت من "ب".
(٧) (وأما بعد نسخ الوجوب) ليست في "أ".


الصفحة التالية
Icon