موضع كذا وكذا، فانطلقوا إليه وبحثوا عنها فلم يجدوه غادر منها حرفًا، فعند ذلك وقعت لهم الشبهة وقالوا: إنه ابن الله (١)، وإنما أسند هذه المقالة إلى جماعة من اليهود على طريق المجاز (٢) كما تقول الروافض علي إله، وقالت الخوارج: تعذب الأطفال، وإنما قالت الإسماعيلية (٣) من الروافض والأزارقة من الخوارج فقط.
﴿يُضَاهِئُونَ﴾ يشابهون ويماثلون الذين كفروا من قبل، هم الذين ادعوا حلول الباري سبحانه في أجسام ترابية منهم جمّ الملك والذين عبدوه، ونمرود وفرعون والهنود وبنو المليح (٤) الذين زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك.
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا﴾ وهو تركهم كتاب الله بتاويلاتهم وإعراضهم عن القرآن وسائر الآيات المعجزة الإلهية إلى اعتقادهم الباطل في المسيح -عليه السلام- (٥).
(إطفاء نور الله) بمسهم إبطال القرآن والإيمان بتأويلاتهم وأكاذيبهم، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ أي: ولا يريد الله لنوره إلا إتمامه وإن كره الكافرون ذلك، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(١) قريبًا من هذه القصة ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٢/ ٤٣) عن إسحاق بن بشر.
(٢) لو قال كما قال القرطبي (٨/ ١٠٧): (هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص؛ لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك)، فليس هناك ثمة مجاز بل خاص وعام. ولشيخ الإسلام ابن تيمية توجيه أحسن من هذا فقد سئل عن هذه الآية فقال: (الحمد لله المراد باليهود جنس اليهود كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] لم يقل: جميع الناس ولا قالوا: إن جميع الناس قد جمعوا لكم، بل المراد به الجنس، وهذا ما قال الطائفة الفلانية تفعل كذا وأهل الفلاني يفعلون كذا، وإذا قال بعضهم فسكت الباقون ولم ينكروا ذلك فيشتركون في إثم القول، والله أعلم)
اهـ. انظر: مجموع الفتاوى (١٥/ ٤٧).
(٣) يقصد بعض الإسماعيلية والنصيرية.
(٤) ذكر بنو المليح القرطبي في تفسيره (١٥/ ١١٨)، وكذا تفسير أبي السعود (٦/ ٦٣) وروح المعاني (١٥/ ١٩٥) وهناك أقوال أنهم خزاعة وكنانة وجهينة وبنو سلمة بنو عبد الدار.
(٥) (السلام) ليست في "ي".


الصفحة التالية
Icon