﴿بِالْهُدَى﴾ الأصل وبـ (دين الحق) الفرع إن شاء الله، ويحتمل بـ (الهدى) الفرقان وبـ (دين الحق) الإسلام، وقيل: هما واحد، واختلاف اللفظين، ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ لينصر (١) أهله على أهل الأديان كلها وليجعله أبين وأوضح من سائر الأديان، وقد كان بحمد الله.
وإنما أخبر عن حال الأحبار والرهبان ليبين أنهم ليسوا معصومين كالأنبياء، ويجوز تصديقهم وتقليدهم (٢) من غير مطالبة بالدليل والأكل والأخذ والإمساك ولذلك ابتدأ وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ وهم المرادون بهذه الصفة المشروطة، و (الكنز) (٣) كل مال مدّخر لا ينفق، والاكتناز الاجتماع، والهاء في ﴿يُنْفِقُونَهَا﴾ عائدة إلى الأموال والكنوز، وقيل: إلى الذهب، وقيل: إلى الفضة وحدها (٤) على ما قدمنا، وجواب الشرط ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾.
﴿يَومَ﴾ نصب على الظرف والعامل العذاب لا البشارة، ﴿يُحْمَى﴾ يولد الحرارة، ويحتمل أن يحيى الذهب على الفضة في نار جهنم، ويحتمل يحيى شيء من الحطب والفحم على كنوزهم في نار جهنم حتى يصير نارًا، و (الكي) إمساس البشرة شيئًا حاميًا لينًا وثوبه يحترق، و (الجبهة) ما فوق الأنف، وكيها أقبح وأبلغ في العلامة، وكي الجنوب

(١) في الأصل: (ليصغر).
(٢) في "ب": (كالأنبياء فيجوز تقليدهم وتكذيبهم وتصديقهم).
(٣) في "أ": (وأكثر).
(٤) ذكر الزجاج القولين المشهورين في توجيه هذه الآية:
الأول: أن الضمير يرجع إلى الكنوز والأموال.
والثاني: أنه يرجع إلى الفضة، وحذف الذهب لأنه داخل في الفضة ومنه قول عمرو بن امرئ القيس:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلفُ
التقدير: نحن بما عندنا راضون.
وقال الفراء: إن شئت اكتفيت بأحد المذكورين كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ [النساء: ١١٢]، وقوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ [الجمعة: ١١].
[معاني القرآن للزجاج (١/ ٤٣٤)، زاد المسير (٢/ ٢٥٥)].


الصفحة التالية
Icon