إلا مع بقاء التكليف وقد زال عنهم تكليف الإنفاق في الغزو مع رسول الله -عليه السلام- (١)، ويحتمل أنهم لو كانوا ينفقون لكانوا يريدون بذلك غير وجه الله (٢).
﴿وَمَا مَنَعَهُمْ﴾ يجوز أن يكون المنع فعل الله والمستثنى في محل الخفض بإضمار حرف التعليل (٣) أي: وما منعهم (٤) الله عن مساواة غيرهم في قبول الصدقات، ﴿إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ ويجوز أن يكون المنع فعل شيء مجهول والمستثنى في محل الرفع، أي: ما منعهم شيء عن مساواة غيرهم في قبول الصدقات إلا كفرهم (٥)، ﴿وَلَا يَأْتُونَ﴾، ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ﴾ يحتمل بمعنى الماضي ويحتمل على ظاهره.
تعذيبهم بأموالهم ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ تشديد خوفهم على فوتها وتعظيم فوتها على قلوبهم فيمسكونها ويكتمونها ويتباغون عليها ويتحاسدون فيها ولا يزالون في اهتمام وعناء، وإنما يجمعون لوارث يبغضهم ويبغضونه، و (تعذيبهم بأولادهم) ما يصابون فيهم ويرون منهم من المكروه ما لا يرون من الأعداء.

(١) (السلام) ليست في "ي"، وفي "ب": (صلَّى الله عليه وسلم).
(٢) بيَّن الله -عَزَّ وَجَلَّ- العلة والسبب في عدم تقبله منهم نفقاتهم على أي حال في الطوع أو الكره وذلك بسبب فسقهم وكفرهم ونفاقهم، وبيَّن الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذه العلة في الآية التي بعدها، وقيل: إن الآية نزلت في الجد بن قيس حين قال للنبي - ﷺ - لما عرض عليه النبي - ﷺ - الخروج معه لغزو الروم: هذا مالي أعينك به. أخرجه الطبري (١١/ ٤٩٩) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٣) الذي جوز الخفض في "أَنْ" الأولى والثانية هو سيبويه نقله عن النحاس في إعرابه، وذهب أبو إسحاق الزجاج أن "أن" الأولى والثانية في موضع نصب على قراءة الكوفيين: ﴿أَنْ يُقْبَلَ﴾ بالياء لأن النفقات والإنفاق واحد.
[إعراب القرآن للنحاس (٣/ ٢٥)].
(٤) في "ب": (منعه).
(٥) وهذا اختيار أبي جعفر النحاس كما في إعرابه حيث اختار أن تكون "أَنْ" الأولى في موضع نصب و"أَنْ" الثانية في موضع رفع، وقدره بقوله: وما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا كفرهم.
[إعراب القرآن (٣/ ٢٥)].


الصفحة التالية
Icon