﴿الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ (١) و (العصر) استخراج المائع من الشيء بالغمز، وإنما سمي العنب خمرًا لأنه يؤول إليها ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لعلم التعبير.
وقول يوسف ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ الآية ليس بجواب عن سؤالهما ولكنه دعوة نبوته (٢) وإظهار المعجزة، فإن ذلك عند وجود الفرصة كان أوجب عليه وأهمّ عنده من تعبير الرؤيا، فلذلك ابتدأ به. ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ الضمير عائد إلى ما رأياه وسألا، وقيل: إلى الطعام، فإن أخذنا بالقول الأول ففائدته سرعة الجواب وذلك لا يكون إلا بوحي إلهي، فإن المستنبط يحتاج إلى تأمل واستخراج، وإن أخذنا بالقول الثاني فهو كقول عيسى -عليه السلام-: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ (٣)﴾ [آل عمران: ٤٩] في محل الرفع لإسناد الإتيان إليه أو للابتداء وخبره ثم أخبر أن المعجزة النبوية مختصة بأولياء الله لا يؤتيها الكاذبين لئلا يلتبس النبي بالمتنبىء وقال: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وتكرارهم للتأكيد.
﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ أي شيئًا؛ فـ (من) صلة مؤكدة للنفي ﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا﴾ دليل أن أسباب التوحيد مبتدأ من الله، وأن نعمة الدعوة عامة على الموقعين للإجابة، والمخذولين عنها بعد التمكين.
﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ﴾ سؤال على سبيل الإلجاء ومزية المدين الواجد، ظاهره يقال: لا يصلح سيفان في غمد وروحان في جسد.
﴿إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا﴾ إن كان المراد عبادة المسميات أو عبادة ذوات الأسماء لم يتوجه الذم فإن الموحد يعبد شيئًا مسمى ونفى ذات اسم وهو محمود (٤)، وإن كان المراد عبادة مسمّيات بغير أسمائها لم

(١) قريبًا منه عند ابن جرير (١٣/ ١٦٧، ١٦٨)، وابن أبي حاتم (٧/ ٢١٤٨) عن ابن مسعود.
(٢) في الأصل: (نبوة).
(٣) (في بيوتكم) ليست في "ب".
(٤) في الأصل: (اسم وهو اسم محمود).


الصفحة التالية
Icon