المعهود، ﴿فَعَرَفَهُمْ﴾ وهم لم يعرفوه لأنهم شاهدوه على غير زيّه المعهود، ﴿وَهُمْ لَهُ﴾ إياه ﴿مُنْكِرُونَ﴾.
﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ والتجهيز أن تصحب الغائب حاجته والجهاز اسم منه، ﴿بِأَخٍ لَكُمْ﴾ بنيامين (١)، فيه دليل أن يوسف -عليه السلام- بدأ بذكره ولو بدأوه لقال بالأخ لكم أو بأخيكم، روي أنه قال لإخوته: من أنتم؟ قالوا: نحن أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فقال: ولدكم ثلاثة من الأنبياء ما تشبهون أن تكونوا كذلك، وأوعز إلى الوكيل بإكرامهم وحُسْن قِراهم، فلما دخلوا عليه ثانيًا من الغد فقال لهم: من أنتم؟ فقالوا: أخبرناك بالأمس، قال: أنتم باللصوص أشبه، وتجمعهم ونظر إليهم شزرًا، فقالوا فيما بينهم: هذا العزيز يكرمنا ويحسن قرانا إذا غبنا عنه ويتجهمنا وينظر إلينا شزرًا إذا حضرناه! فلا يكونن سامعًا بما صنعنا بأخينا فإنه قاصمة الظهر والبلاء الفادح والأمر الفاضح.
ودخلوا عليه بعد ذلك والصاع بين يديه، فقال للحاجب: انقره نقرة، فنقر الحاجب فطنَّ طنينًا، قال لإخوته: أتدرون ما يقول هذا الصالح؟ قالوا: لا، قال: يقول: إنكم خائنون سارقون خنتم أباكم وبعتم أخاكم وأحلتم الذنب على الذئب، ثم أمر الحاجب فنقر الصاع نقرة أخرى قال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: يقول: طرحتم أخاكم في البئر وبعتموه بثمن يسير، فتعجبوا وألجموا (٢) عن الجواب وخرجوا من عنده، ثم أمر الوكيل بتجهيزهم ودس بضاعتهم في أحمالهم وهم لا يعلمون، وقال لهم: ﴿ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ﴾ ووعدهم على ذلك إيفاء المكيل (٣) وحسن القرى.
﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ﴾ هذا وعيد من يوسف -عليه السلام-، وإنما
(١٣/ ٢٢٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٧/ ٢١٦٣).
(٢) في "ب" "ي": (وأفحموا).
(٣) في "أ": (الكتاب).