﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ الهدّة عند انقلاب القريات من نحو السماء وانحدارها إلى الأرض، ويحتمل أن جبريل صاح بهم حينئذ، وقيل: الصيحة: الفزع والهلاك دون الصوت. ﴿مُشْرِقِينَ﴾ حالة الإشراق، وإنما وقعت العبارة بالإشراق والإصباح جميعًا لأنّ رفع القريات كان في وقت الإصباح، وانحدارها في وقت الإشراق.
﴿لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ المتبصرين (١) المستدلّين بالسِّمات والأمارات، قال -عليه السلام-: "اتّقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله"، ثم قرأ: ﴿إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)﴾ (٢).
﴿وَإِنَّهَا﴾ أي المؤتفكات (٣) ﴿لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ طريق واضح بيّن أثره، كان أهل مكّة يمرّون بها في أسفارهم، وإنها الأيكة (٤) والمؤتفكات، وقيل: مدبرين والأيكة.

= وقول طرفة بن العبد:
لعَمْرُكَ إنّ الموت ما أخطأ الفتى لكالطَّوَل المُرْخَى وثِنْياهُ باليدِ
والأبيات في ذلك كثيرة.
[القرطبي (١٠/ ٤٠)، زاد المسير (٤/ ٤٠٨)، التفسير الكبير للرازي (١٩/ ٢٠٣)].
(١) وهم المتفرّسون، وبه قال مجاهد وابن قتيبة، وهو معنى قول الزجاج حيث قال: هم النُّظَّار المثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سِمَة الشيء، ولا يخرج ذلك عن معنى قول ابن زيد والفرّاء بأنهم: المتفكّرون.
(٢) أورده ابن جرير (١٤/ ٩٦) عن ابن عمر وثوبان، وهو عند الترمذي (٣١٢٧)، والطبراني في الأوسط (٧٨٤٣) عن أبي سعيد الخدري، والحديث ضعيف غير ثابت.
(٣) الضمير في قوله: ﴿وَإِنَّهَا﴾ عائد إلى قوله: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ [الحجر: ٦٧]، وهو عائد إلى قرى قوم لوط.
(٤) قال المفسّرون: "أصحاب الأيكة" هم قوم شعيب، سمّوا بذلك لأنّ الأيك هو الشجر الملتفّ، وكان مكانهم ذا شجر، فكذّبوا شعيبًا فأهلكهم الله بالحرّ، كما في سورة هود آية (٨٧)، وتُجمع على الأيْك.
[القرطبي (١٠/ ٤٥)].
ولذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما -: الأيك هو شجر المقل.
[القرطبي (١٠/ ٤٥)، التفسير الكبير للرازي (١٩/ ٢٠٤)].


الصفحة التالية
Icon