ياسر وصهيب بن سنان وخباب بن الأرت وعايش (١)، وحين أسروهم وعذبوهم ليردوهم عن الإسلام، فأما صهيب فابتاع نفسه بماله وفيه نزل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ٢٠٧] الآية، وأما سائر أصحابه فنالوا بعض ما أرادوا ثم هاجروا بعد ذلك إلى المدينة ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان.
﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي أرسلنا هؤلاء الرسل بالبينات ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ يدل أن القرآن ما لا يعلم إلا بالتوقيف النبوي، وقوله: ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ يدل أن فيه ما يعلم بالتفكر والتدبر، فأما ما لا يعلم تأويله إلا الله فذلك جنس ثالث. وقد بين ذلك في أثناء المحكمات على طريق الإجمال دون اليقين، وما يعلم معناه عند ورود الخطاب من غير توقيف ولا تدبر (٢) ولا تفكر جنس رابع، وهو (٣) الحجة على جميع العقلاء.
﴿أَنْ يَخْسِفَ الله بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ خسف سوحها بما فيها ويحتمل تقليب الأعيان وإفساد الأبنية، وكان المراد بالخسف حالة القرار (٤) والسكون، ولذلك انعطف عليها حالة التقلب (٥).
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ فالمتقدم حالة الأمن فانعطف حالة الخوف عليها، وإن أراد الحالتين فمعناه يتخوف وهو بأن يلقي الرعب في قلوبهم فلا يزالون يتخوفون من كل شيء لا يطيب لهم.

(١) ذكره القرطبي عن الكلبي ذكره عن صهيب وبلال وخباب وعمار (١٠/ ١٠٧)، وأما عايش فذكره ابن الجوزي في تفسيره (٢/ ٥٦٠).
(٢) (ولا تدبر) من الأصل فقط.
(٣) في "أ": (وهي).
(٤) في الأصل و"أ": (القرآن) وهو خطأ.
(٥) أظهر الأقوال وأجمعها في قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ في تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النّحل: ٤٦]، أنه عام في كل ما يتقلبون فيه سواء تقلبهم في أسفارهم أو في نومهم أو في ليلهم ونهارهم. [معاني القرآن للزجاج (٣/ ٢٠١)، زاد المسير (٢/ ٥٦٢)].


الصفحة التالية
Icon