المؤمنين، وهذه الآية مجملة تفسيرها قوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩)﴾ [النجم: ٢٩]، وقوله: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)﴾ [الأعلى: ١٦]، وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [النحل: ١٠٧] والدليل على جواز طلب الدنيا بعمل الآخرة هو طلب الغنائم بالجهاد والاستسقاء بالدعاء والاستشفاء (١)، قال -عليه السلام- "يقول الله عَزَّ وَجَلَّ للدنيا: يا دنيا مرّي على أوليائي ولا تحلولي لهم فتفتنيهم" (٢) ﴿مَا نَشَاءُ﴾ -أي: نشاء إتيانه - فإنّ الله تعالى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ - أي ذلك" (٢) هو تخصيص لخصوص الجزاء الموعود، فثبت به جواز تخصيص كل وعد ووعيد في القرآن من بعد عمومه، وكذلك نسخه بعد ثبوته مذمومًا معيبًا.
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا﴾ وإنما شرط في إرادة الآخرة السعي؛ لأن الشرط في العاجلة شرط مجازي غير موجب قصد فيه التنبيه على قبحه وفساده فلم يكن (٣) لتأكيده معنى، وشرط الآخرة شرط حقيقي موجب قصد فيه تعليق الحكم به على التحقيق فاستجمع (٤) جميع ما يتعلق (٥) به، يدل على (٦) وجود العاجلة ابتداء وابتلاء من غير جزاء وامتناع الآخرة إلا ثوابًا أو عقابًا، وفي الآية دلالة أن غير المؤمن قد سعى للآخرة، وأن الإيمان غير العمل، وأن الآخرة قيمة سعي المؤمن لا قيمة إيمانه لأن جزاء الإيمان أجل وأنفع من الآخرة بأسرها وهو الدخول في جملة الأولياء، يقول الله تعالى: ﴿الله (٧) وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧]،
(٢) ذكره القضاعي في مسند الشهاب (١٤٥٣) وهو حديث موضوع آفته الحسين بن داود، وقد ورد في زهد الإمام أحمد (٩٨) هذا القول عن أبي سنان.
(٣) في "ي" "أ": (تكن).
(٤) في "ب": (فاجتمع).
(٥) في "أ" "ي": (يتصف).
(٦) في "ب" "ي": (عليه).
(٧) (الله) من "أ" "ي".