قريش (١)، أي: فآثركم بالبنين على نفسه ورضي لنفسه بالبنات إن كان يليق به الولادة واتخاذ الولد على زعمكم، ﴿قَوْلًا عَظِيمًا﴾ لأنهم كذبوا ثم لم يرضوا تكذيبهم حتى جعلوه في غاية القبح والبشاعة.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ أي: صرفنا الآيات، ﴿نُفُورًا﴾ تباعدًا وتوحشًا.
﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾ وجه الرد عليهم أن الشيء لا ينفصل عن جنسه إلا قهرًا فلو كانت في العالم لله أجناس لكانت قاهرة غير مقهورة، ولو كانت كذلك لاتحدت به ولرجع الأمر إلى الوحدانية، والثاني أن مساواة الأدنى داعية إلى مزاحمة الأعلى فيما تفرد به، ومزاحمته تؤدي إلى فسخ المواصفة وتُوجب (٢) توحيد الأعلى، ﴿عُلُوًّا كَبِيرًا (٣)﴾ أي: تعاليًا كقوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ [آل عمران: ٣٧]، ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨].
﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ يسبح الكل قريب من فنون الكل وهو الأصوات الدالة على محدثها ومحدث ذواتها، وكل صامت ناطق بالدلالة على صانعه، وعن الحسن: اللبنة تسبِّح فإذا بني بها سبحت مع الأرض (٤)، وقال النخعي: الطعام يسبح (٥)، وقال عكرمة لرجل: قميصك هذا يسبح، وقال رجل لأبي هريرة: أسمع لبيتي تقعقعًا قال: ذلك تسبيح الجدر (٦).

(١) لم نجد أحدًا من المفسرين قال أنها نزلت في بني مليح، وعامة المفسرين أطلق وقال: إنها نزلت في مشركي العرب الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله فهو توبيخ لهم.
(٢) في الأصل و"أ": (يوجب).
(٣) (كبيرًا) ليست في "أ" "ي".
(٤) أخرجه عن الحسن أبو الشيخ في العظمة (١٢٠٩)، وذكره السيوطي في الدر المنثور عنه (٩/ ٣٦٢).
(٥) ابن جرير (١٤/ ٦٠٦)، وابن أبي الدنيا في الهواتف ص ١٣٧، وأبو الشيخ في العظمة (١٢٠٧).
(٦) أبو الشيخ في العظمة (١٢١٣) عن عكرمة قريبًا منه.


الصفحة التالية
Icon