سحر، وقد رأينا وسمعنا السحر، فوالله ما هو بسحر، ثم قلتم: كاهن فوالله ما هو بكهانة ولا سجاعة، وقلتم: مجنون وقد رأينا المجانين وعرفنا أصناف الجنون فانظروا في أمركم، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وأُبي بن خلف إلى أحبار يهود من أهل يثرب، وقالوا: هم أهل الكتاب الأوّل والعلم بأمر الرسل وصفاتهم في كتبهم، فسألوهم عن محمَّد وأمره فخرجوا ثلاثتهم حتى أتوا يهود بني قريظة والنضير وماسكة وقينقاع، فسألوهم عن النبي -عليه السلام- (١) فوجدوهم قومًا حُسّدًا فقالوا: سلوا الرجل عن ثلاثة أشياء نأمركم بهن، فإن أخبركم عنهن فالرجل مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول، فإنه قد أظل زمان نبي نسمعكم تصفون صفته نجده عندنا كما تصفون فروا رأيكم فيه؛ إذا سألتموه سلوه عن فتية هلكوا في الزمان الأوّل كان أمرهم عجبًا، وسلوه عن طواف قد بلغ المشرق والمغرب قد كان له خبر دنيا وقصص، وسلوه عن الروح فإن أخبركم عنه فإنه كاذب وإن لم يخبركم عن الروح فهو كما قال، وإن عجز عنها فهو متقول.
ثم خرجوا حتى انتهوا إلى فدك فقالوا لهم مثل هذا سواء، إلا أنهم قالوا: هذه صفته ونجد مخرجه من بلادكم ونجد مهاجره يثرب (٢)، فرجع النفر إلى مكة، فلما قدموا على قريش قالوا: قد جئنا نفصل ما بينكم وبين محمَّد، قد أمرنا أهل الكتاب الأوّل والمعرفة وجئناهم جميعًا أهل يثرب وفدك فأمرونا أن نسأله عن أمور فإن أخبرنا عنها فهو كما قال وإن عجز عنها فهو متقول. ممشتْ قريش مع هؤلاء الرسل حتى وقفوا على النبي -عليه السلام- وهو جالس عند الكعبة قد فرغ من صلاته فقالوا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء. وتكلم النفر الذين كانوا قدموا وسألوه عن تلك الخصال الثلاث، فقال: "أخبركم غدًا" ولم يستثنِ، فمكث الوحي عن النبي -عليه السلام- خمس عشر ليلة لا يأتيه جبريل -عليه السلام-
(٢) في الأصل: (ينزل).