والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى" (١)، قال أبو جهل واحدة فإن العرب تقول: آخر الدواء الكي، فهذه كلمة آخر ما نكلمك، قال -عليه السلام-: "ما هي؟ "، قال: بلدنا هذا أضيق بلاد الله ساحة وأشد عيشًا فسل لنا ربك الذي بعثك فليُسوّ هذه الجبال التي ضيقت علينا وليجر لنا أنهارًا كأنهار الشام أو غيولًا كغيول اليمن، وليبعثن لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا قصي بن كلاب فإنه كان شيخًا صدوقًا نسأله عما تقول أحق هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك (٢)، فقال النبي -عليه السلام-: "ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، ما أنا بفاعل ولا بالذي أسال ربي هذا" قالوا: يا محمَّد، أيعلم (٣) ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألنا وترجع علينا ما ترجع؟ قال: "نعم" فقال نبيه ابن الحجاج أخرى: بلغنا أن هذا إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له: الرحمن، ثم قال لجلسائه: تعلمون ذلك؟ قال القوم: نعم، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن فقد أعذرنا إليك يا محمَّد، وإنا والله لا نتركك حتى نهلكك أو تهلكنا، فقال الأخنس بن شريق: نحن نعبد الملائكة فهي بنات الله، وقال عبد الله بن أبي أمية: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢)﴾ إلى قوله: ﴿بَشَرًا رَسُولًا﴾.
فلما قام النبي -عليه السلام- تبعه أبو جهل، فقال: يا محمَّد، والله لا نعذر إليك بعد هذا المجلس، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، فقال: يا محمَّد، عرض عليك قومك أمرًا فلم تقبله ثم سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها صدقك من كذبك فلم تأتهم بها، وأنا أسألك خصلة واحدة، قال -عليه السلام-: "وما هي؟ "، قال: تنزل علينا كسفًا من السماء فهذه لا تبالي

(١) (تعالى) من الأصل فقط.
(٢) في "أ": فإن صدق فقال.
(٣) في الأصل: (يعلم).


الصفحة التالية
Icon