﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ نزلت فيمن نزلت آيات الأنعام (١) وفيها زيادة إنعام وهي نهي العينين عن أن يجاوزاهم إلى غيرهم من أبناء الدنيا، وفي ذلك دلالة على كونهم شهدوا رسول الله، وقيل: عينيه في الأرض بعد اتصافه ليلة المعراج بقوله: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ [النجم: ١٦] الآية، ولم يستحقوا هذه الرتبة إلا بعد ما طاشت لدينهم ودنياهم وتلاشت نفوسهم في محياهم ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ رد على القدرية وهي في شأن أبي جهل وأمثاله ﴿فُرُطًا﴾ ضائعًا (٢) منها، وقال أبو عبيدة (٣): ندمًا، وقيل: سرفًا.
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ المأمور بالقول (٤) لهم هم الذين آمنوا برسول الله، الإيمان به أن أعرض الفقراء كقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] و (السرادق): الحائط من المدر والوبر (٥) ﴿يُغَاثُوا﴾ على سبيل المجاز لازدواج الكلام. و (المُهْل) ذائب الرصاص والصفر
[تفسير الطبري (١٥/ ٢٣٥)].
(١) الآية لها عدة أوجه في سبب نزولها منها حديث سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وذووهم، فقالوا: يا نبي الله إنك لو جلست في صدر المسجد، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف ولم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ...﴾ [الكهف: ٢٧]، حتى بلغ ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا﴾ [الكهف: ٢٩]، يتهددهم بالنار، فقام نبي الله- ﷺ - يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله فقال: "الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجالٍ من أمتي، معكم المَحْيَا، ومعكم الممات" أخرجه الطبري في تفسيره (١٥/ ٢٤٠)، والواحدي في أسباب النزول (ص ٢٢٤)، وأبو نجم في الحلية (١/ ٣٤٥)، والبيهقي في الشعب (١٠٤٩٤).
(٢) قاله ابن عمرو - رضي الله عنهما - ومجاهد. أخرجه الطبري في تفسيره (١٥/ ٢٤٢)، وابن أبي حاتم (٧/ ٢٣٥٨).
(٣) نقله ابن الجوزي عنه في تفسيره (٣/ ٨٠).
(٤) في "ب": (به القول).
(٥) قاله أبو عبيد الهروي، وقال ابن عباس: هو حائط من نار، وقيل: "السرادق" =