عباس (١): لما بلغت مريم سنة النساء في الحيض كانت تكون في بيتها في المسجد، قال: فبينما مريم في شرفة لها في ناحية الدار بينها وبين أهلها حجاب، يعني: ستر التطهر وتمتشط، إذ دخل عليها جبريل -عليه السلام- (٢) فتشبه لها بشرًا سويًا في صورة شاب لم ينتقص (٣) فدنا منها، وأنكرت مكان الرجل في ذلك المكان.
فقالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ﴾ أرادت التذكير والتحذير ألا ترى شرطت التقوى ﴿إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ مطيعًا لله.
قال لها جبريل -عليه السلام-: أنا رسول ربك ليهب لك ﴿غُلَامًا زَكِيًّا﴾.
قالت مريم لجبريل -عليه السلام-: يا سيدي، أنى يكون لي ولد ولم يقربني زوج ولم أك فاجرة؟!
قال لها جبريل: ﴿كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ أي: خلقه عليَّ يسير ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ في ولادته من غير أب ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ كائنًا، فاطمأنت مريم إلى قوله، فدنا منها فدحيها بإصبعه ثم نفخ في جيبها فوصلت تلك النفخة إلى بطنها فحملت بعيسى -عليه السلام-.
﴿فَحَمَلَتْهُ﴾ اختلف في مدة العمل فقيل: يوم واحد، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: تسعة أشهر، ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ هو أقصى دار خالتها، وقيل: موضع مجهول لا يعلم بها زكريا، وقيل: ناصرة دمشق، وقيل: مصر.
﴿فَأَجَاءَهَا﴾ تعدية من المجيء ﴿الْمَخَاضُ﴾ تمخض الولد في بطن أمه وهو تحركه للخروج ﴿جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ساقها، أراد ﴿جِذْعِ﴾ يابس، وإنما قالت ذلك لكراهتها الطبيعية المشقة والأذى لا لكراهتها الاعتقادية الكرامة والعُلى.

(١) ذكره ابن الجوزي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مختصرًا كما في زاد المسير (٣/ ١٢٣).
(٢) (السلام) ليست في "ي".
(٣) (لم ينتقص) ليست في الأصل.


الصفحة التالية
Icon