ترى أنهم يجيئون من كل فج عميق يقولون: لبيك اللهم لبيك ﴿ضَامِرٍ﴾ ضد البطين من الإبل والخيل ﴿فَجٍّ﴾ فضاء بين الجبال ﴿عَمِيقٍ﴾ بعيد، وإنما عبر به لارتفاع شأن مكة، كقولك: رفعت حاجتي إلى المجلس العالي وإن كنت أعلى منه في رأي العين.
﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ قال مجاهد: التجارة وما رضي الله من أمر الدنيا (١)، وقيل: المغفرة، وقال ابن عباس: أسواق كانت لهم ما ذكر الله منافع إلا للدنيا (٢) ﴿وَيَذْكُرُوا﴾ الله ﴿اسْمَ﴾ التحميد والتهليل والثناء عليه والشكر ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ [بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ من] (٣) السوائم والهدي، أو البسملة عند الذبح ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ قال إبراهيم النخعي: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين، فمن شاء أكل ومن شاء ترك و ﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ الذي يبسط يده، مشتق من البؤس وهو شدة الفقر.
﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ دليل على أن قضاء التفث والنذر والطواف بالبيت مترتبة على ذكر اسم الله تعالى في الأيام المعلومات لا يجوز شيء منها إلا بعد ذلك، وهو يوم النحر. وقال ابن عباس: التفث الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب واللحية والأظفار (٤)، وقال ابن عرفة: التفث: الدرن، وقال النضر بن شميل: قضاء التفث: إزالة الشعث ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ وهو ما أوجبه الإنسان على نفسه من الهدي (٥) ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾ طواف الزيارة يوم النحر. وإنما قيل: ﴿الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ لقوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ﴾ [آل عمران: ٩٦] أو لأنه أعتق من تملك الناس إياه، وفي

(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٦/ ٥٢١).
(٢) ابن جرير (١٦/ ٥٢٠).
(٣) ما بين [..] من "ب".
(٤) ابن جرير (١٦/ ٥٢٦)، إلا أنه لم يذكر ابن عباس الأخذ من اللحية ولكن روي عن محمد بن كعب القرظي. أخرجه الطبري (١٦/ ٥٢٦).
(٥) الذي أوجبه الإنسان على نفسه هو النذر، أما الهدي -هدي الحج- فإن الذي أوجبه على الإنسان هو الله -عز وجل-.


الصفحة التالية
Icon