وإنما حسن الجمع بألف الاستفهام و (أم) المترتبة عليها بين شيئين متغايرين كقولك إنها لإبل أم شاة لتصور المغايرة بين المعاني هاهنا، فإن مرض القلب يتصور بالحيرة المتولدة من السفه، ومجرد الجهل دون الشبهات، وباليأس عن روح الله والمقت له من غير ارتياب وخوف حيف، ويتصور الارتياب في أمر القرآن والنبوة من غير حيرة في ظاهر التوحيد ويأس عمن هو الخالق الرازق ومقت له، ويتصور خوف الحيف بالتسخط على قضاء الله وقدره من غير حيرة ويأس ومقت وارتياب في الظاهر، وقيل: مرض القلب أن يضمر الرجل خلاف ما يظهره ويعتقد نقيض ما يعلنه، والارتياب أن يرتاب في حق أو باطل من غير اعتقاد خوف، الحيف أن يعتقد جواز كون الظلم من صفاته.
وقيل: تقدير الآية: في قلوبهم مرض سابق باق، أم ارتابوا آنفًا، أم يخافون ظلم الله من غير هذين، ويحتمل أن الآية الأولى في شأن المنافقين من قوم عثمان، وهذه الآية في شأن الفاسقين منهم.
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إلى كتاب الله ورسوله ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ ليقضي بينهم، وقيل: هذه الآية متأخرة عن قول عثمان، وإنما مدح له وثناء عليه ﴿أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا﴾ أجبنا ﴿وَأَطَعْنَا﴾ ما أمرنا به ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ﴾ الآية، فلما نزلت (١) فيهم أقبل عثمان - رضي الله عنه - إلى رسول الله - ﷺ - (٢) قال: يا رسول الله لئن شئت والله لأخرجن من أرضي كلها لأدفعها إليه فنزل [﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ (٣)﴾] (٤) قُل لَّا تُقُسِمُواْ} لا تحلفوا، فإن الله لو بلغ منكم الجهد لم تبلغوه ثم قال:
(٢) (- ﷺ -) من الأصل.
(٣) مرّ قبل قليل أننا لم نجده، وهناك أقوال أخرى ليس فيها ذكر لعثمان - رضي الله عنه -، وكأن هذه رواية للكلبي، كما سيأتي، وهي روايات باطلة لا يعتد بها.
(٤) ما بين [...] ليست في الأصل.