فأرسل إلى رسول الله يعلم أنه وقع في قلبه الإسلام ويقول: سمعتك تقول: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ﴾ الآية، وإني فعلتهن فهل من رخصة؟.
فنزل جبريل فقال: قل له يا محمَّد ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ الآية، فأرسل بها إليه، فلما قرئت عليه قال: أرى في هذه الآية شروطًا أخشى أن لا آتي بها ولا أجدني أطيق أن أعمل صالحًا، فهل عندك شيء ألين من هذا؟ فأنزل جبريل قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فأرسل بها رسول الله إليه فقرئت عليه فقال: إنه يقول لمن يشاء (١) وأنا لا أدري لعلي لا أكون مما يشاء، فنزل جبريل بقوله: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] الآية، فأرسل بها رسول الله إليه فقرئت عليه، فأسلم وأرسل إلى رسول الله أني أسلمت فأذن لي في إتيانك فأرسل إليه أن لا أر وجهك فإني لا أستطيع أن أملأ عيني من قاتل عمي حمزة (٢)... الخبر.
﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى جميع ما تقدم أو إلى الإشراك أو إلى فعل شيء متقدم على سبيل الاستحلال. ﴿أَثَامًا﴾ جزاء الإثم، يقال: أثمه يأثمه إذا جازاه جزاء إثمه.
﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ لها وجوه؛ منها إقامة الندامة مقام ما كانت الندامة منه، ومنها التوفيق للكفارات والأعمال الصالحة، ومنها الابتلاء بالمصائب والمكاره الممحصة للذنوب الموجبة للثواب، ومنها تقلب المباحات من أفعاله المقترنة بالكفر طاعات بعد التوبة، كالأكل والشرب، ولهذا قال علي: بقية عمر المرء لا ثمن له يصلح فيه ما أفسد وبستدرك به ما فات.
﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ إنما كرر التوبة التوبة لاتصالهما بزيادة وهي ذكر الله، كأنه قيل: ومن يتب عن المعاصي فإنه يتوب إلى الله.
(٢) ذكره القرطبي (١٥/ ٢٣٤) قريبًا منه، وكذا هو مختصرًا عند ابن جرير (١٧/ ٥١٧)، وابن أبي حاتم (٨/ ٢٧٣١، ٢٧٣٤).