عن عمرو بن دينار عن عكرمة: خرج من مكة ناس يريدون المدينة فأدركهم المشركون يفتنونهم فأعطوهم الفتنة فنزلت: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا﴾ (١). وذكر الكلبي أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وهو ابن عم أبي جهل والحارث بن هشام وأخوهما لأمهما، وكان قد أسلم مع النبي -عليه السلام- (٢) فخرج من مكة هاربًا منهم إلى المدينة، وذلك قبل قدوم النبي -عليه السلام- المدينة، وبلغ أمهم الخبر فجزعت من ذلك جزعًا شديدًا فقالت لأبي جهل والحارث: لا والله لا يأويني بيت ولا يدخل بطني طعام ولا شراب حتى تأتوني به، فخرجوا في طلبه فظفروا به، فلم يزالوا به حتى تابعهم فحملوا به إلى أمه فعمدت إليه وقيدته وقالت: لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد -عليه السلام- (٣)، ثم أقبلت تجلده بالسياط وتعذبه حتى كفر بمحمد -عليه السلام- جزعًا من ضرب أمه فنزلت، وبقي محبوسًا هو ورهط من المسلمين إلى أن هاجر رسول الله.
فلما بلغهم نزول هذه الآية أظهروا الإيمان وناصحوا الله ورسوله، وكان رسول الله دعا لهم ليالي كلما قنت فقال: "اللهم نجِّ المستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك (٤) على مضر، اللهم سنين كسني يوسف" ثم هاجر عياش بن أبي ربيعة وحسن (٥) إسلامه، إنما لم يكونوا معذورين في التقية لأنهم لا يخافون بذلك على أنفسهم (٦).
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وذكر الكلبي أن أبا سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة وشيبة ابني ربيعة هم الذين قالوا هذه المقالة لعمر بن الخطاب

(١) قريبًا عن الضحاك وفيه (ناس من المنافقين بمكة) ذكره ابن جرير (١٨/ ٣٦٥).
(٢) (السلام) ليست في "ي".
(٣) (السلام) ليست في "ي".
(٤) في "ب": (وبالك).
(٥) في "أ": (وحسن أحسن إسلامه).
(٦) ذكره القرطبي (١٣/ ٢٩٢) جزءًا منه ولم يعزه، وعزاه ابن الجوزي له (٦/ ٢٥٨).
وأما قوله: "اللهم أنج الوليد.. " فهو متفق عليه.


الصفحة التالية
Icon