وعن أبي جُحيفة قال: قالوا: يا رسول الله نراك قد شبت! قال: "شيبتني هود أخواتها" (١).
وأعلم أنّ المعنى المشيب لرسُول الله إما سر من أسرار الله تعالى في القرآن العظيم (٢) لم يطلع عليه إلا نبيه، وإما أحد الأشياء الأربعة:
أحدها: أنّ بعض السور اختصت بالاسترقاء، وبعضها بالثقل، وبعضها بالتعوذ، وبعضها بتلقين الموتى، وهذه السورة بالترهيب والنكت اللطيفة، كما بلغنا أنّ بعض أهل الإلحاد (٣) تصور له أنه يحاكي القرآن بهذيان، فلما انتهى إلى قوله: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ انشقت مرارته.
والثاني: أن هذه السور كلهنَّ مكيات فلعلهن (٤) نزلنَ أيام النفير إلى الشعب (٥) وأيام وفاة خديجة وأبي طالب، فقوله: "شيبتني هود وأخواتها" مِن كثرة ما لقي (٦) من مكروه المشركين.
والثالث: أن نزول الوحي عليه قد كان سهلًا، وقد (٧) كان ثقيلًا، روي أن النبي -عليه السلام-: "كان إذا نزل عليه الوحي يترَبد (٨) وجهه ويجد بردًا

(١) رواه الطبراني في الكبير (٢٢/ ١٢٣) (٣١٨)، وأبو يعلى (٨٨٠)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٥٠)، وابن عساكر (٤/ ١٧٣) وسنده ضعيف، وفي المخطوطات أبو حذيفة وهو خطأ.
(٢) (العظيم) من "أ" فقط.
(٣) نقل القاضي عياض في "الشفا" (٢٠٨) شيئًا من ذلك عن ابن المقفع. وانظر أيضًا "روح المعاني" للألوسي (١٢/ ٦٣).
(٤) في "ب": (فكأنهن).
(٥) (الشعب) ليست في "أ" "ي".
(٦) (ما لقي) ليست في "ب ".
(٧) في "أ": (كان سلا وكان).
(٨) أي تغير إلى الغبرة وهي لون قريب من السواد كما في لسان العرب مادة (ربد)، والنهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٥٥).


الصفحة التالية
Icon