ذلك البستان عين ماء ينتهي إلى حوض معمول لنساء بني إسرائيل لتغتسلن فيه عند حيضهن، فبينما هو كذلك إذ سقطت حمامة أمامه كأنها من ذهب وجناحاها كالياقوت الأحمر وذنبها كالزمرد الأخضر ومنقارها كالدر الأبيض ومخالبها كالفيروزج الأزرق، فلما رآها أعجبه حسنها فظنّ أنها من طيور الجنة، فقام ليأخذها، فطارت حتى سقطت على حائط ذلك البستان، فمشى نحوها وأهوى بيده إليها فأصاب طرف أصابعه جناحها وانقضت في البستان فظن أنه صرعها.
فأشرف على البستان فإذا هو بامرأة من نساء بني إسرائيل تغتسل في ذلك الحوض من أجمل ما يكون من النساء، فبقي مسترخيًا ينظر إلى جمالها وحُسن خلقها، ونظرت المرأة إلى صورة رجل في الماء فرفعت رأسها فإذا هي بداود -عليه السلام- مشرفًا عليها، وأرخت شعرها فجلّل ما بين رأسها إلى قدميها، فوقعت بقلب داود -عليه السلام-، وسأل عنها فأُخبر أنها امرأة أوريا، وكان أوريا بناحية من أرض الشام في خيل عظيمة عليها ابن أخت لداود -عليه السلام-، يقاتل خيلًا من كفار أهل ذلك القصر ومعهم التابوت الذي ذكره الله في كتابه ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٨] فكان من تقدم من بني إسرائيل على التابوت يوم القيامة لم ينصرف حتى يقتل أو يظفر.
فكتب داود إلى ابن أخيه (١) يأمره أن يقدم أوريا أمام التابوت، فلما قرأ الكتاب على أوريا قال: إن نبي الله داود لم يقدمني إلا وقد علم أنني مقتول، فتقدم فقاتل حتى قُتل هو ومَن كان معه، فامهل داود المرأة حتى انقضت عدتها ثم تزوج بها.
فبينا يصلي داود -عليه السلام- (٢) ذات يوم في المحراب إذ تسوّر عليه الملكان المحراب حتى هبطا عليه في صورة رجلين، فخاف أنهما يريدانه بسوء وغضب على حراسه فقالا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ فإنا ﴿خَصْمَانِ﴾ قال لهما:
(٢) (السلام) ليست في "ي".