وخصلة محمودة، إذ التوجّه يتّفق من الصّبيان والمجانين والدوابّ ثمّ لا يستحقّون مدحا أو ذمّا (١).
واتّصالها (٢) بما قبلها من حيث ذكر الاختلاف في الآية السابقة (٣).
﴿قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ:﴾ نحوه، هذا من قبل فلان، أي: من جهته، ولي حقّ قبل فلان، أي: عنده، وما لي به قبل، أي: طاقة، ورأيته قبلا، أي: معاينة (٤).
﴿وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ:﴾ قال الفرّاء (٥): (من آمن بالله) خبر (٦) (البرّ)، على الاكتفاء بالمعنى الدالّ في الاسم على المصدر، كما قيل (٧): [من الوافر]
قليل همّه والعيب جمّ … ولكنّ الغنى ربّ كريم
وقيل: المصدر يطلق (٨) بمعنى الاسم كما في قوله: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدىً﴾ [طه: ١٠]، أي: هاديا، أي: ولكنّ البارّ من آمن بالله (٩). وقيل (١٠): الحذف تقديره: ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله. وقيل (١١): ولكنّ ذا البرّ (١٢) من آمن بالله، كما قال (١٣): [من البسيط]
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت … فإنّما هي إقبال وإدبار
والإيمان بالله: الاعتراف بوحدانيّة الله وأسمائه وصفاته، وباليوم الآخر (١٤) أنّه واجب بوعد الله لتجزى كلّ نفس بما كسبت، وبالملائكة أنّهم عباد الله الروحانيّون، لا يطعمون، وعن العبادة لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وبالكتاب أنّه كلام الله ووحيه
_________
(١) ينظر: تفسير البغوي ١/ ١٤٢، والكشاف ١/ ٢١٧ - ٢١٨، والبحر المحيط ٢/ ٥.
(٢) في ع وب: وإيصالها.
(٣) ينظر: البحر المحيط ٢/ ٣ - ٤.
(٤) ينظر: لسان العرب ١١/ ٥٤٤ (قبل).
(٥) ينظر: معاني القرآن ١/ ١٠٤. وهذا التوجيه على قراءة من قرأ: (ولكن البرّ) بكسر النون المخففة ورفع (البر)، وهي قراءة نافع وابن عامر، ينظر: السبعة ١٦٨، والتبصرة في القراءات ١٥٣، والتيسير ٧٩.
(٦) في الأصل وع: خير.
(٧) بلا عزو في أمالي المرتضى ١/ ٣٨، وكنز الفوائد ٢٩٢، والإنصاف في مسائل الخلاف ١/ ٦٤ (مسألة ٨)، ورواية البيت فيها جميعا: قليل عيبه والعيب جمّ ولكنّ الغنى ربّ غفور. والمراد: ولكنّ الغنى غنى ربّ.
(٨) في الأصل وع: تطلق.
(٩) ينظر: المقتضب ٣/ ٢٣١، وتفسير الطبري ٢/ ١٢٩، والمحرر الوجيز ١/ ٢٤٣.
(١٠) في ك: ولكن. وينظر: الكتاب ١/ ٢١٢، ومعاني القرآن للفراء ١/ ٦٢، وللأخفش ١/ ٢٠٧.
(١١) ينظر: معاني القرآن وإعرابه ١/ ٢٤٦، والنكت والعيون ١/ ١٨٧، ومفاتيح الأغاني ١١٠.
(١٢) (بر من... البر) ساقطة من ب.
(١٣) الخنساء، ديوانها ٣٨٣. وينظر: دلائل الإعجاز ٢٣١.
(١٤) في الآية نفسها: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَاِبْنَ السَّبِيلِ.


الصفحة التالية
Icon