٥٤ - ﴿أَسْتَخْلِصْهُ:﴾ أجعله من خواصّي كي لا يشغل إلا بمصالح أمري. (١)
فلمّا دخل عليه يوسف كلّمه بلسان أهل مصر، فجعل الملك يكلّمه بألسنة أخرى، وجعل يوسف يجيبه بتلك الألسنة حتى تكلّما سبعين لغة، ثمّ إنّ يوسف دعا له بالعبرية، وأثنى عليه بالعربيّة، فلم يعرفها الملك، وانقطع عن الجواب، واستحسن جميع ذلك من يوسف، فقال:
﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ:﴾ المكين: اسم من المكان والتمكّن.
قيل: دعاه إلى توحيد الله، فأجابه الملك في هذا اليوم طائعا راغبا، فقوله: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ:﴾ إيمان واعتراف منه له. وقيل: جعله مكينا أمينا هذا اليوم في أمور الدنيا، والإسلام تأخر عن ذلك اليوم إلى سنتين. وقيل: تأخر إسلامه إلى سني القحط.
٥٥ - ﴿قالَ اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ:﴾ خطب هذا العمل بإذن الله تعالى ليتم القضاء المعدود (٢) فيه، وفي إخوته، وفي أهل مصر أجمعين.
جاء في التواريخ: أن الملك ولاه حفظ خزائن الارتفاعات يومئذ، ومات العزيز بعد ذلك، فولاه جميع ما كان تولاه العزيز، وزوّجه امرأته، فوجدها بكرا لم تفتض، ثم لما تأمل في حسن تدبيره، وكيفية ادخار الميرة وإنفاقها، وبيعها من الناس زاد في رتبته، وسلّم إليه الخاتم والسرير والتاج، فقال يوسف عليه السّلام: أما الخاتم، فأستعمله لإصلاح مملكتك، وأما السرير فأجلس عليه لنظام أمرك، وأما التاج فليس لباسي في الدنيا. قال الملك: إن لم تلبس التاج لم ألبسه إجلالا لك، واستنانا بسنتك، واقتداء بك، فإنّما أنا تابع لك. وبقيا بعد ذلك كذلك (٣)، أما يوسف فكالملك، وأما الملك فكالطفل المولّى عليه حتى اشترى بالميرة المدخرة صنوف أموال (١٦٨ و) أهل مصر: العير (٤)، والحلي، والمواشي، والعقار (٥)، والرقيق، ثم استرقّ (٦) بها أولادهم، ورقابهم، وهم شاكرون له، معترفون برفقه ورحمته، وحسن تدبيره، ثم قال للملك:
كيف ترى ما صنع الله بي من لطفه، وما خوّلني من نعمته؟ قال الملك: الرأي لك، والأمر أمرك، وأنا لك كبعض أهل مصر، فعند ذلك (٧) أعتقهم يوسف لوجه الله تعالى، ورد إليهم أموالهم، ورد الخاتم والسرير إلى الملك بشرط الثبات على الملّة الحنيفية، وحسن الجوار مع أهل
_________
(١) ينظر: تفسير الوسيط ٢/ ٦١٨، وتفسير الخازن ٢/ ٥٣٤.
(٢) ع وأ: المقدور.
(٣) أ: بعدد كذلك.
(٤) الأصول المخطوطة: العين.
(٥) أ: والعقارب.
(٦) أ: استقر.
(٧) أ: لك.


الصفحة التالية
Icon