وقال: قد أعلمتك أيّها الملك أوّل مرّة أنّ الله نهاني أن أسجد لغيره، فغضب عليه (١) لمخالفته، وبنى له بنيانا، فألقاه في الجحيم، فجعلها الله عليه (٢) بردا وسلاما، فلما رأى ذلك بخت نصر منه دعاه، واستصفاه، واعتذر إليه، وأطلق جميع من كان عنده من بني إسرائيل في السجن، فأحسن إليهم، ثم إنّ الله تعالى ابتلاه ثانية برؤيا هائلة، وأنساه إياه (٣)، فذكر ذلك لدانيال عليه السّلام قال دانيال: رأيت شجرة لفّاء عظيمة، أصلها في الأرض، ورأسها في السماء، ذات فروع باسقة، وأغصان أنيقة، ورأيت عليها كلّ طير في الأرض معششة مع فراخها حتى امتلأت تلك الشجرة وما والاها، فبينا (٤) أنت تنظر إليها، وتتعجب من عظمها، وكثرة ما اكتنفها من الطير إذا أقبل ملك من السماء، ليجتثّها من أصلها، فنودي من السماء أن اجتث بعضها، ودع بعضها، فأمّها بفأسه، فأبان أغصانها، وبقي ساقها على حالها، ونفرت ما كان عليها من الطير. قال بخت نصر: صدقت، هذه رؤياي، ما خرمت منها شيئا، فما تأويلها؟ قال دانيال عليه السّلام: أمّا الشجرة فملكك الواسع العظيم، وأما الطير فجنودك، وأما الاجتثاث فذهاب ملكك، وإبادة سلطانك، وأنّ الله تعالى ماسخك سبع سنين على صورة كلّ طائر (٥) ودابّة عقوبة لك على ما كان من هدمك بيت المقدس، ونقلك منبر سليمان، واستخفافك بالأنبياء والأولياء (٦)، وسفكك دماء المسلمين، غير أنّك لا تمسخ في صورة إلا كنت ملك ذلك الجنس، فتقهر ذلك الجنس بقوّتك كقهرك بني آدم، ثمّ تعود إنسانا. قال بخت نصر: وهل يقبل ربك توبتي؟ قال: أما دون هذه العقوبة فلا. فقام بخت نصر، ودخل دار نسائه، فبينا (٧) هو جالس إذ نظر إلى الريش قد نبت عليه (٨)، فكان أول ما مسخ عقابا، وآخر ما مسخ بعوضة، ثمّ (٩) عاد إلى مملكته، وكان ابنه كليماوس تخلّفه في قومه في هذه الفترة، فلمّا عاد إنسانا، وعاد إلى مملكته اغتسل، ولبس المسوح، وسلّ سيفه، وكسر جفنه، وحرج إلى جنوده يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، ويحذّرهم العذاب الأليم، فلما هجم عليه الليل قبض الله روحه، وكان ملكه سبعين عاما، وهو لهراسف بلغة الفرس.
وولي الأمر بعده كليماوس، وأساء السيرة في بني إسرائيل، وردّهم إلى السجن، فبينا هو
_________
(١) ع: على.
(٢) ساقطة من ع.
(٣) الأصل وك وأ: أنساها.
(٤) ع: فبينما.
(٥) ع: على هيئة كل طير.
(٦) ع زيادة: عليهم السّلام.
(٧) ع: فبينما.
(٨) ع: على.
(٩) ساقطة من أ.


الصفحة التالية
Icon