فاستجمع جميع ما يتعلّق به، يدلّ عليه وجود العاجلة ابتداء وابتلاء من غير جزاء وامتناع الآخرة إلا ثوابا أو عقابا.
وفي الآية دلالة أنّ غير المؤمن قد سعى للآخرة، وأنّ الإيمان غير العمل، وأنّ الآخرة قيمة سعي المؤمن لا قيمة إيمانه؛ لأنّ جزاء الإيمان أجلّ وأنفع من الآخرة بأسرها، وهو الدخول في جملة الأولياء، يقول الله تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧]، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران: ٣١]، ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ (١١) [محمد: ١١]، وأما قوله عليه السّلام: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنّة» (١)، وإنّما ذلك لترغيب العامّة، وقد وعدهم الله على ذلك عصمة الأموال والدماء غير مرّة.
٢٠ - ﴿هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ:﴾ بدل من كلّ (٢)، وهو في محلّ النصب. والمراد به مريدو (٣) العاجلة، ومريدو الآخرة.
﴿مَحْظُوراً:﴾ ممنوعا محبوسا، وقال (٤) عليه السّلام: «إنّ من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمّهم على ما لم يؤتك الله، إنّ رزق الله لا يجرّه حرص حريص، ولا يردّه كره كاره، إنّ الله بحكمته جعل الرّوح والفرح في الرضا واليقين، والهمّ والحزن في الشكّ والسخط». (٥)
٢١ - ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا:﴾ فائدة النظر إلى تفاوت الناس في مراتبهم: وقوع العلم بأنّها أرزاق (٦).
﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ:﴾ لأنّ خيرها وشرّها موجودان على سبيل الحقيقة دون (١٨٨ ظ) الابتلاء، وعلى سبيل البقاء دون الفناء، ولأنّ شريفها لا يحتاج إلى عمل وضيعها، فيشركه في رباعها ومرابيعها، ولا يخاف دسّ مكر منه إليه، فيعود شرفه وبالا عليه.
٢٢ - ﴿لا تَجْعَلْ:﴾ خطاب للنبيّ، والمراد به أمّته.
﴿فَتَقْعُدَ:﴾ فتبقى.
_________
(١) أخرجه: الترمذي (٢٦٤٤)، وابن خزيمة في الصحيح (٢١٣١)، وتالي تلخيص المتشابه ٢/ ٤٦٤، وابن حبان (١٥١ و ١٦٩).
(٢) ع: من كل معا.
(٣) الأصول المخطوطة: مرادوا.
(٤) ع: قيل.
(٥) أخرجه: ابن المبارك في الزهد (١٩٩)، والطبراني في الكبير (١٠٥١٤)، البيهقي في شعب الإيمان (٢٠٧)، والخطيب في حلية الأولياء ١٠/ ٤١.
(٦) (اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا... أرزاق)، ساقطة من ع.


الصفحة التالية
Icon