فارجع، فإنّك ستلقاه، فكان يتبع أثر الحوت، فقال فتاه: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣]، قال له موسى: ﴿ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً فَوَجَدا﴾ [الكهف: ٦٤ - ٦٥]، فكان من شأنهما الذي قصّ الله في كتابه. (١)
عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعب يقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، (٢٠٢ و) فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى عليه السّلام: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال: احمل حوتا في مكتل (٢)، فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق هو، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، فجعل موسى حوتا في مكتل، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل حتى خرج من المكتل (٣)، فسقط في البحر، فقال: وأمسك عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق، فكان للحوت ولموسى وفتاه عجبا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبر، فلمّا أصبح ﴿قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً﴾ [الكهف: ٦٢]، قال: ولم ينصب موسى حتى جاوز المكان الذي أمر به، فقال:
﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ [الكهف: ٦٣]، قال موسى: ﴿ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ (٤)﴾ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً [الكهف: ٦٤]، قال: يقصّان آثارهما، فقال سفيان: يزعم ناس أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة (٥)، لا يصيب ماؤها شيئا إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقفيا آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى (٦) رجلا مسجى عليه بثوب، فسلّم موسى، فقال: أنّي بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علم من الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم
_________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١١٦، والبخاري في الصحيح (٧٤ و ٣٢١٩)، ومسلم في الصحيح (٢٣٨٠).
(٢) المكتل بكسر الميم: الزنبيل الكبير. ينظر: غريب الحديث لابن الجوزي ٢/ ٣٦٨، ولسان العرب ١١/ ٥٨٣.
(٣) (حتى خرج من المكتل)، ساقطة من أ.
(٤) الأصول المخطوطة: نبغي.
(٥) ع: الحوت.
(٦) أ: في أي.


الصفحة التالية
Icon