أكثر آيات القرآن وكلام العرب. وإنما ذكرت هذِه الأمثلة لتعرف أن من تأمل مصنفات المفسرين، ووقف على معاني أقوالهم، لم يقف على معاني كلام الله دون الوقوف على أصول اللغة والنحو.
والمعنيون (١) بالتصنيف في هذا العلم طبقات: فالصحابة الذين نزل فيهم القرآن شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل؛ لأنهم أهل اللغة الذين نشأوا عليها كما وصفناهم قبل.
وأما التابعون والسلف الصالحون فإنهم لم يتصنعوا في جمع ما جمعوا، ولم يتكلفوا في تتبع الخفايا من الزوايا.
وأرباب المعاني (٢) اقتصروا على الإعراب، وبيان نهج الخطاب.
وللمتأخرين مراتب ودرجات، وأغراض في التصنيف متفاوتات، والاشتغال بما يعنينا أولى من بيان درجتهم، والكشف عن نقصهم ومزيتهم (٣)، وقل من تراه يعنى بسوق اللفظ على التفسير، وإفراغه في قوالب المعاني، حتى يأتي به متسقا من غير ترجح، ومطردا من غير تخاذل (٤).
وعلى هذا فلم يبقوا في القوس منزعًا (٥)، ولم يترك الأول للآخر شيئًا،

(١) في (ب): (المعتنون).
(٢) يريد المتكلمين على المعاني من جهة اللغة والنحو، كالفراء والزجاج والأخفش في كتبهم في معاني القرآن وغيرهم، قال في "البرهان": (قال ابن الصلاح: وحيث رأيت في كتب التفسير: قال أهل المعاني فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج ومن قبله.. وفي بعض كلام الواحدي: أكثر أهل المعاني: الفراء والزجاج وابن الأنباري قالوا كذا). "البرهان" ٢/ ١٤٦ - ١٤٧، "الإتقان" ٤/ ٢٤٣، وانظر: "الوسيط" و"حاشيته" ١/ ٦٥.
(٣) في (ب): (ومرتبتهم).
(٤) في (ب): (تجادل).
(٥) لعله يقصد بهذا السابقين دون المتأخرين، وبه يزول ما قد يوحي به ظاهر سياق العبارة من تناقض.


الصفحة التالية
Icon