الخوارزمي (١) على درسه عند (٢) غيبته.
وله المصنفات الكبار، والاستدراكات على الفحول من علماء اللغة والنحو. وكنت قد لازمته سنين، أدخل عليه عند طلوع الشمس، وأخرج لغروبها، أسمع، وأقرأ، وأعلق، وأحفظ، وأبحث، وأذاكر أصحابه ما بين طرفي النهار، وقرأت عليه الكثير من الدواوين، وكتب اللغة، حتى عاتبني شيخي رحمه الله يوما من الأيام وقال: إنك لم تبق ديوانا من الشعر إلا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرغ لتفسير كتاب الله العزيز؟! يقرؤه علي هذا الرجل الذي يأتيه البعداء من أقاصي البلاد، وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار، يعني: الأستاذ الإمام (أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي) رحمه الله.
فقلت: يا أبت إنما أتدرج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا لم أحكم الأدب بجد وتعب، لم أرم في غرض التفسير عن كثب، ثم لم أغبَّ (٣) زيارته يومًا من الأيام إلى أن حال بيننا قدر الحمام.
وأما (النحو) فإني لما كنت في مَيْعَةِ (٤) صباي، وشَرْخِ شبيبتي (٥)، وقعت

(١) هو أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي، شاعر أديب، كان أوحد عصره في حفظ اللغة والشعر، رحل إلى عدة بلاد واستوطن نيسابور، توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
انظر: "يتيمة الدهر" ٤/ ٢٢٣ - ٢٧٦، "الأنساب" ٥/ ١٩٤، "بغية الوعاة" ١/ ١٢٥.
(٢) (عند): ساقط من (ب).
(٣) الغب: من ورد الماء، أن تشرب يوما، وتدع يوما، ومن الحمى أن تأخذ يوما وتدع يوما، والمراد: لم أترك زيارته يوما من الأيام. انظر: "اللسان" (غبب) ٦/ ٣٢٠٤.
(٤) ميعة الشباب أوله وأنشطه. انظر: "تهذيب اللغة" (ماع) ٤/ ٣٣٢٧، "اللسان" (ميع) ٧/ ٤٣٠٩.
(٥) شرخ الشباب قوته ونضارته. انظر: "الصحاح" (شرخ) ١/ ٤٢٤، "اللسان" (شرخ) ٤/ ٢٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon