فهذا مخلوق اجتزأ من مسألة مخلوق مثله بالثناء عليه، فكيف يحتاج العبد مع ثنائه على ربه أن يسمي له حوائجه؟.
قال (١): وإنما اختير (الحمد) على الشكر للمبالغة والعموم، وذلك أن الشكر لا يكون إلى مكافأة لنعمة سبقت إليك وأيضًا، فإنه لا يشكر أحد على ما فيه من الأوصاف الجميلة، وليس كذلك الحمد، فإنه يقع ابتداء قبل الصنيعة، ويقع على الأوصاف المحمودة فهو أبلغ وأعم وأجمع (٢).
قال الشاعر:

يَا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوى دُونكا إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونكا (٣)
(١) أبو بكر ابن الأنباري.
(٢) انظر: "الزاهر" ٢/ ٨٤، ٨٥، وفيه تكلم ابن الأنباري عن الفرق بين الحمد والشكر بنحو هذا، وإلى هذا ذهب أكثر المفسرين، انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٣، "تفسير أبي الليث" ١/ ٧٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٤/ ب، "تفسير الماوردي" ١٥٣، وانظر: "تهذيب اللغة" (حمد) ١/ ٩١٣، "اشتقاق أسماء الله" ص ٩٠، وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، واستدل على هذا بصحة قول القائل: (الحمد لله شكرا). "تفسير الطبري" ١/ ٦٠، وهذا قول المبرد، كما قال القرطبي في "تفسيره" ١/ ١١٦، ونسبة في "اللسان" للحياني. "اللسان" (حمد) ٢/ ٩٨٧، وقد تكلم العلماء في نقض ما قاله الطبري ورده، منهم ابن عطية في "تفسيره" ١/ ٩٩، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ١١٦، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٠١. قال محمود شاكر في حاشية "تفسير الطبري": والذي قاله الطبري أقوى حجة وأعرق عربية من الذين ناقضوه.
(٣) نسبه الأكثر لراجز جاهلي من بني أسد بن عمرو بن تميم، ونسبه بعضهم لجارية في مازن، وقيل: روته وليس لها، ونسبه بعضهم لرؤبة. و (المائح) الرجل في جوف البئر يملأ الدلاء. ورد الرجز في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٦٠، "الزاهر" ٢/ ٨٥، "أمالي الزجاجي" ص ٢٣٧، "أمالي القالي" ٢/ ٢٤٤، "الإنصاف" ص ١٨٧، "مغني اللبيب" ٢/ ٦٠٩، ٦١٨، "شرح شذور الذهب" ص ٤٨٥، "شرح المفصل" ١/ ١١٧، "الخزانة" ٦/ ٢٠٠.


الصفحة التالية
Icon