والتأويل (١): وما يتبع الذين يدعون شركاء من دون الله إلا الظن، أي: يتبعون الظن ويعملون به، فيكون قوله: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ﴾ مكررًا على قوله: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ﴾ و (ما) و (إن) الخفيفة جحدان معناهما واحد، ومثاله من الكلام: ما يأكل الذي يغصب ويظلم الناس ويأخذ أموالهم، إن يأكل إلا النار، فيكون قوله: إن يأكل، توكيدًا لقوله: ما يأكل، ومثل هذا من التكرير قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠] النحل: ١١٠]، فكرر قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ [على قوله] (٢) ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ﴾ ولو لم يكرر الآخر لكان في الأول كفاية، وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ يريد: ظنهم أنها تشفع لهم يوم القيامة. ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ قال ابن عباس: يقولون ما لا يكون (٣)، وذكرنا معنى الخرص في سورة الأنعام عند قوله: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ (٤).
٦٧ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ﴾ أي خلق، وذكرنا معنى الجعل عند قوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ (٥) [المائدة: ١٠٣].
(٢) ساقط من (ى).
(٣) "تنوير المقباس" ص ٢١٦ بلفظ: يكذبون للسفلة، وفي كتاب "غريب القرآن" لابن عباس: (يخرصون) يكذبون بلغة هذيل. وانظر: "زاد المسير" ٤/ ٤٦، وفي "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٠٤: (يخرصون) يحدسون ويحزرون اهـ. وبكلا المعنيين جاءت اللغة كما في "لسان العرب" (خرص) ٢/ ١١٣٣.
(٤) من الآية ١٤٨.
(٥) قال في هذا الموضع: وأما (جعل) فلها أحوال منها: جعل: صير، ومنها جعل: أوجب، ومنها جعل: خلق، ومنها جعل: صلة لما بعده، مثل: جعل يعرفه، نحو طفق وأنشأ وأقبل، كل منها صلة لما بعده من الفعل.