ذكرنا ما فيه (١) عند قوله في تحريم الخمر: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ (٢)، والآية بيان عما يوجبه ترك المعارضة -مع التحدي بها، وتوفر الدواعي إليها- من ظهور المعجز المؤدي إلى العلم بصحة الأمر فيه.
١٥ - قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، المعنى: من يريد الحياة الدنيا، و (كان) في تقدير الزيادة، ولذلك جزم جوابه، وهو قوله: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾، هذا معنى قول الفراء (٣)؛ لأن المعنى فيما بعد ﴿كَانَ﴾ (٤)؛ فكأن ﴿كَانَ﴾ تبطل في المعنى، وحكى الزجاج (٥) عن المبرد أن معنى ﴿كَانَ﴾ و (تكون) العبارة عن الأحوال فيما مضى وفيما يستقبل، و ﴿كَانَ﴾ تستعمل فيهما جميعًا، فعلى هذا معنى ﴿كَانَ﴾ في الشرط والاستقبال؛ لأن الشرط لا يقع بالماضي، والمعنى: من يكن يريد الحياة الدنيا كقول زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
أي من يهبها، واختلفوا في نزول هذه الآية والتي بعدها، فقال ابن

(١) في (ب): قبله.
(٢) المائدة: ٩١. وقال هناك: "بين تحريم الخمر في قوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ إذ كان معناه فانتهوا، قال الفراء: ردد عليّ أعرابي: هل أنت ساكت؟ هل أنت ساكت؟ وهو يريد: اسكت! اسكت!. وقال غيره: إنما جاز في صيغة الاستفهام أن تكون على معنى النهي؛ لأن الله تعالى ذم هذه الأفعال وأظهر قبحها، وإذا ظهر قبح الفعل للمخاطب، ثم استفهم عن تركه لم يسعه إلا الإقرار بالترك".
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٥.
(٤) في (ي): (قدكان).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٤٢. وانظر: "معاني الأخفش" ١/ ٤٥٥.


الصفحة التالية
Icon