الشقاء، وقال بعضهم: أن يهلككم، قال: وهذا الجواب مرغوب عنه؛ لأنه يخالف الآثار، ومذاهب الأئمة، ولا يعرف الصادقون من أهل اللغة هذا من كلام العرب؛ إذ المعروف عندهم: أغويت فلانًا إذا أضللته بشر دعوته إليه وحسنته له، وغوي هو إذا ضل، [ويروى عن غير واحد من الصحابة أنه فسر يغويكم: يضلكم، هذا كلامه] (١).
قال أصحابنا: فبان بهذه الآية أن الإغواء بإرادة الله تعالى، وأنه إذا أغوى فلا هادي لذلك الغاوي (٢).
ثم ذكر نوح عليه السلام دليل المسألة فقال: ﴿هُوَ رَبُّكُمْ﴾، قال ابن عباس: يريد: هو إلهكم وسيدكم وخالقكم، وتأويله: أنه إنما يتصرف في ملكه فله التصرف كيف شاء (٣).
٣٥ - قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾، هذا من الاستفهام المتوسط (٤)، وقد ذكرناه في مواضع، ومعنى ﴿افْتَرَيْتُهُ﴾ اختلقه وافتعله

(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ي).
(٢) لا شك أن الهداية والضلال من الله تعالى كما قال عز وجل: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦]، وقال: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩]، ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧]، ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ [الإسراء: ٩٧]، فالهداية من الله، والاهتداء من العبد، فالاهتداء الذي هو فعل العبد هو أثر فعله سبحانه، فهو الهادي والعبد المهتدي. انظر: "شفاء العليل" لابن القيم ص ١٧٠.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ١٠٠.
(٤) قلت: المراد بالاستفهام المتوسط أن يكون معنى الآية: أيكتفون بما أوحيت إليك من القرآن، أم يقولون إنه ليس من عند الله. قاله ابن القشيري. انظر: "البحر المحيط" ٥/ ٢٠٨، "الدر المصون" ٤/ ٨٣.


الصفحة التالية
Icon