الحق، وذلك أن من لم يعتبر بمثل هذا لا يكون له عقل سليم، فلا يكون من جملة العقلاء الذين يوصفون بالاعتبار.
وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾ أي: ما كان قصصهم حديثًا يتقوله بشر، على هذا دل كلام ابن عباس (١): ويجوز أن يكون المعنى: ما كان القرآن حديثًا يفترى، ﴿وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾، أي: من الكتب، أي: يصدق ما قبله من التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب، قاله ابن عباس (٢) والحسن (٣) وقتادة.
ونصب (تصديق) على تقدير: ولكن كان تصديق الذي بين يديه، كقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٤٠]: قاله الفراء (٤) والزجاج (٥)، قالا: ويجوز رفعه في قياس النحو على معنى: ولكن هو تصديق الذي بين يديه ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يحتاج إليه من أمور الدين من الحلال والحرام والحجاج والاعتبار، هذا إذا قلنا: ما كان القرآن، وإن قلنا: ما كان القصص، فالمعنى: وتفصيل كل شيء من نبأ يوسف وإخوته.
وهكذا فسر ابن عباس (٦) فقال في رواية عطاء والضحاك:

(١) "تنوير المقباس" ص ١٥٥.
(٢) انظر: "زاد المسير" ٤/ ٢٩٧، البغوي ٤/ ٢٨٧، ابن كثير ٢/ ٥٤٦.
(٣) الطبري ١٣/ ٩٠، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٧٨ عن قتادة، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢١٣ عن قتادة.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٥٦.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٣.
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٢٩٨، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٥٦.


الصفحة التالية
Icon