يَرَاهَا} [النو: ٤٠] أي: لم يرها، قال ابن عباس: لا يُجِيْزُه (١).
وقال أهل المعاني: معنى ﴿وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾: بعد إبطاء؛ لأن العرب تقول: ما كدت أقوم؛ أي: قمت بعد إبطاء، قال تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١] يعني: فعلوا بعد إبطاء؛ لتعذر وجودها، فعلى هذا (كاد) ليس بصلة.
وقوله: ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ جاز أن تكون صلة؛ لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمة (٢) على عدم الرؤية، فوضح (٣) بذلك أنّ ﴿يَكَدْ﴾ مزيد للتوكيد، والدليل على الإساغة قوله: ﴿يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ﴾ [الحج: ٢٠] ولا يكون الضمير (٤) إلا بعد الإساغة، وأيضًا فإن قوله: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ يدل على أنهم أساغوا منه (٥) الشيء بعد الشيء، فكيف أن يصح أن يقال بعده: لا يُسيغه، البتة.
فإن قيل: فكيف وجه ما قاله المفسرون؟
قيل: يُحْمل على وجهين؛ أحدهما: ذكره ابن الأنباري وهو أن

(١) ورد في "تفسيرالثعلبي" ٧/ ١٤٨ ب، بلفظه، وانظر: "تفسير البغوي" ٤/ ٣٤٢، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٣٥١، و"حاشية الجمل على الجلالين" ٢/ ٥١٩.
(٢) بسبب الظلمات الثلاث؛ ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السحاب، وهو ما أشارت إليه الآية. [النور: ٤٠].
(٣) في جميع النسخ (فوضع) بالعين، وهو تصحيف، والصواب بالحاء.
(٤) أي الكناية في يسيغه تعود على الكافر، ولو لم تحصل له الإساغة لقال: (لا يكاد يُساغ) ونحوها.
(٥) في جميع النسخ (أساغوه منه) جَمع بين الضميرين، فأصبحت العبارة مضطربة، وتستقيم العبارة بأحد الأمرين: إما أن تحذف الهاء فتصير (أساغوا منه الشيء بعد الشيء) أو تحذف (منه) وتصير العبارة (أساغوه؛ الشيء بعد الشئ). وكأن التصويب قد جرى في نسخة (ع) بطمس (الهاء) بألف غير واضحة.


الصفحة التالية
Icon