المعنى: ولا يُسيغ جمْعه؛ كأنه يَجْرع البعض، ولم يُسغ الجميع لمرارته، فوقع الجحدُ بعد إثباتِ التَّجرعِ؛ على معنى إساغة الكل.
الوجه الثاني: أن معنى الإساغة في اللغة: إجراء الشراب في الحلق على تَقَبُّل النَّفْس واستطابة المشروب (١)، والكافر يتجرع ذلك الشراب علي كراهته ولا يُسيغه أي: لا يستطيعه ولا يشربه شُربًا بمرة واحدة، فعلى ما ذكرنا من الوجهين يصح أن تكون (يكاد) صلة على ما ذكره المفسرون، وقول من لم يجعل (يكاد) صلةً أمثل.
وقوله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ ذكر أهل المعاني في ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ﴾ وجهين؛ أحدهما: أن هذا من باب حذف المضاف؛ على معنى: ويأتيه هَمُّ الموت وألمُه وكربُه (٢)؛ لأنه يستحيل أن يأتيه الموت؛

(١) لم يذكر المؤلف أهم خصائص الإساغة؛ وهو السهولة والاستمرارية، يقول ابن فارس في "مقاييس اللغة" ٣/ ١١٦: السين، والواو والغين أجل يدل على سهولة الشيء واستمراره في الحلق خاصة، ثم يحمل على ذلك. اهـ. كأنه ذكر لازم السهولة والاستمرارية، وهو تقبل النفس واستطابة المشروب. وانظر العباب الزاخر [غ/ ص ٤٩].
(٢) ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٠٣ بنحوه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٥٣ بنصه، وفي هذا التفسير نظر؛ لأن همّ الموت إنما كان عذابًا لأهل الدنيا لخشيتهم من المصير المجهول، أما أهل الآخرة من الكفار فإن الموت لم يكن هماً لهم، بل هو راحة يتمنونه، كما قال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧] لذلك فالأولى تفسيره بقول ابن عباس (، قال: أي أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم؛ ليس مها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت، ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦]، انظر: "ابن كثير" ٢/ ٥٧٩، و"الدر المنثور" ٤/ ١٣٩ وعزاه إلى ابن أي حاتم. والغريب عدم إيراده لهذا القول عن ابن عباس كما التزم، وهو قريب من الوجه الثاني الذي أورده عن أهل المعاني.


الصفحة التالية
Icon