كسبوا، فمعنى ﴿كُلَّ نَفْسٍ﴾ هاهنا من الكفار؛ لأن جزاء المؤمن لا يقع بهذا (١).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ ذكرنا معناه في سورة البقرة عند تمام المائتين منها.
٥٢ - قوله تعالى: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ﴾ قال ابن عباس: يريد ما أنزلت إليك من قصة إبراهيم ودعائه لوالده وما تبرأ منه من عبادة الأصنام وما دعا للمؤمنين، وقال غيره من أهل العلم: ﴿هَذَا﴾: القرآن (٢)، ﴿بَلَاغٌ لِلنَّاسِ﴾ والبلاغ اسم يقوم مقام التبليغ، قال أبو علي الجرجاني: تأويله: فعلنا هذا؛ يعني إنزال القرآن وما فيه من المواعظ لتبلِّغ الناس، وهذا عطف على البلاغ بالفعل، وهو قوله: ﴿وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾ (٣)، قال ابن عباس:

(١) وقد تعقب الرازي الواحدي في تخصيص ﴿كُلَّ نَفْسٍ﴾ بالكافرين، وأبقى اللفظ على عمومه ليشمل الجزاء الفريقين، وكلاهما مصيب، فالتخصيص مناسب للسياق والسباق؛ حيث إن الكلام السابق واللاحق عن المجرمين فيخصهم الوعيد والتهديد، ويكون متعلق اللام محذوف؛ تقديره: يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة ما كسبت من أنواع الكفر والمعاصي، والتعميم مناسبٌ بالنظر إلى أن ﴿لِيَجْزِيَ﴾ متعلق بقوله: ﴿وَبَرَزُوا﴾ أي الخلق كلهم، فيكون ﴿كُلَّ نَفْسٍ﴾ عامًا، أي مطيعة ومجرمة بحسبها، وتكون الآيتان بينهما جملة معترضة، وهناك أقوال أخرى في توجيه التأويل. انظر: "الرازي" ١٩/ ١٤٩، وأبي حيان ٥/ ٤٤١، وأبي السعود ٥/ ٦١.
(٢) قاله ابن زيد، أخرجه الطبري ١٣/ ٢٥٨، بلفظه، وورد بلفظه في "تفسير الماوردي" ٣/ ١٤٦، والطوسي ٦/ ٣١١، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٧٠، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وورد غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢١٢، والبغوي ٣/ ٣٦٣، وابن الجوزي ٤/ ٣٧٨، والخارن ٣/ ٨٧.
(٣) والتقدير: فعلنا هذا لتبلّغ الناس ولينذروا به، فعطف ﴿وَلِيُنْذَرُوا﴾ على البلاغ =


الصفحة التالية
Icon