وقال الزجاج: الأجود والله أعلم أن يكون (من) هاهنا أعني في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ يراد بها العبيد والدواب والأنعام، أي: وكُفِيتُمْ مؤنة أرزاقها (١).
وقال أبو بكر: تقديره وجعلنا لكم فيها معايش وعبيدًا وإماءً يرزقهم ولا ترزقونهم.
قال أبو إسحاق: وموضع (مَنْ) نصبٌ من جهتين؛ أحديهما: العطف على ﴿مَعَايِشَ﴾: وجعلنا لكم من لستم له برازقين، وجائز أن يكون عطفًا على تأويل (لكم)؛ لأن معنى قوله: ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾: أعشناكم، المعنى: أعشناكم ومن لستم له برازقين (٢)، أي رزقناكم ومن لستم له برازقين. (وعلى هذا الوجه يجوز أن يدخل الطير والوحش في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ (٣) لأن الله تعالى أعاشهم كما أعاشنا، وهو قول الكلبي في قوله: ﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ قال: يعني الوحش والطير (٤)، ونحوه قال منصور، ولا يجوز أن يفرد الوحش والطير والدواب عن الإماء والعبيد في هذه الآية؛ لأن (من) لا يكاد يكون لغير ما يعقل، فإذا جمع مع من يعقل، غلب من يعقل بفضيلة العقل، فجاز إيقاع (من) عليهم، وهذا هو الاختيار

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧ بنصه.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٧٧ بنصه.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ١٧، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧ أ، الماوردي ٣/ ١٥٤، "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤، "الدر المنثور" ٤/ ١٧٨، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وفي كل هذه المصادر ورد منسوباً إلى منصور، وفسرها بالوحش فقط، ولم أقف عليه منسوباً إلى الكلبي إلا في "تفسر الفخر الرازي" ١٩/ ١٧٢، والظاهر أنه نقله عن الواحدي.


الصفحة التالية
Icon