الرسول، فدل أنه إنما يُعرفُ الواجبُ بقول الرسولِ، ولا يجبُ شيءٌ على أحدٍ قبل بَعْثِ الرسولِ (١)، ولذا وجبتْ الدعوةُ قبلَ القتالِ، حتى لو أن المسلمين أناخوا بساحةِ قومٍ لم تبلغهم الدعوةُ، لم يجز لهم أن يهجموا عليهم بالقتال والثُّباتِ (٢) قبل تقديم الدعوة، ولو فعلوا ذلك ضَمِنوا دماءهم، كذلك قال الشافعي -رضي الله عنه- (٣).
١٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ هذا يُتَأول على وجهين:
أحدهما: أنهم أُمروا بالطاعة فعصوا، وهذا قول سعيد بن جبير (٤)، والمعنى على هذا: أَمَرْناهم على لسان رسولٍ بالطاعة ففسقوا، هذا نحو قولك: أمرتُك فعَصَيْتني، فقد عُلِمَ أن المعصية مخالفة للأمر (٥)، ولذلك؛

(١) وهو بهذا يرد على المعتزلة القائلين بأن الواجبات تجب بالعقل أولاً ثم بالشرع.. ، انظر: "فضل الاعتزال" ص ١٣٩ نقلاً عن كتاب "الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة" ١/ ١٦٦.
(٢) جمعُ ثُبَةٍ، وهي الفرقة، والمقصود النفير بفرق وسرايا. انظر: "عمدة الحفاظ" ١/ ٣١٧.
(٣) كتاب "الأم" ٤/ ١٥٧، بنحوه، وقد نص على ذلك الماوردي، وقال: فإن بدأ بقتالهم قبل دعائهم إلى الإسلام وإنذارهم بالحجة، وقتلهم غرة وبياتًا ضمن ديات نفوسهم وكانت -على الأصح من مذهب الشافعي- كديات المسلمين، وقيل: بل كديات الكفار على اختلافها اختلاف معتقدهم. "الأحكام السلطانية للماوردي" ص ٤٦، انظر: "حواشي تحفة المحتاج على المنهاج" ٩/ ٢٤٢، "الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته" ١/ ٢٠٦.
(٤) أخرجه "الطبري" ١٥/ ٥٥، بنحوه، وورد في "تفسير الجصاص" ٣/ ١٩٥ بنصه، و"الطوسي" ٦/ ٤٦١، بنحوه.
(٥) في المصدر: (الأمر).


الصفحة التالية
Icon