الفسق مخالفة أمر الله (١)، فقوله: ﴿أَمَرْنَا﴾ يدل على أنه أمر بالطاعة وإن لم يُذْكر؛ كما تقول: أمرتك فعصيتني؛ معناه: أمرتك بطاعتي، فإن قيل: لِمَ خص المترفين بالأمر بالطاعة، وأمره بالطاعة لا يكون مقصورًا على المترفين، وقد أمر الله بطاعته جميع خلقه من مترف وغيره؟! قيل: لأنهم الرؤساء الذين من عداهم تبع لهم، كما أن موسى بُعث إلى فرعون ليأمره بطاعة الله وكان من عداه من القبط تبعًا له (٢)، هذا إذا قلنا: إن قوله: ﴿أَمَرْنَا﴾ من الأمر الذي هو ضد النهي.
الوجه الثاني: أن معنى قوله: ﴿أَمَرْنَا﴾ أكثرنا، وهو قول مجاهد في رواية عبد الكريم (٣)، قال: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾: أكثرنا فساقها (٤)، ونحوه روى

(١) ورد في "تهذيب اللغة" (أمر) ١/ ١٩٧، بنصه تقريبًا.
(٢) في جميع النسخ: (لها)، والصواب ما أثبته؛ لأن الضمير يرجع إلى فرعون، وورد هذا التعليل في "تفسير الجصاص" ٣/ ١٩٥، بنحوه، و"الطوسي" ٦/ ٤٦٠ بنصه تقريبًا.
(٣) ذكر محقق "تفسير مجاهد" ٣/ ٣٥٩ أن راويين اسمهما عبد الكريم رويا عن مجاهد؛ أحدهما: عبد الكريم بن مالك الجَزَري: تقدمت ترجمته. والآخر: عبد الكريم بن أبي المُخارق: هو أبو أميّة المعلِّم البصري، نزيل مكة، وهو ضعيف، قال يحيى: ليس بشيء، روى عن سعيد بن جبير، وعنه مالك والسفيانان، قال ابن حجر: وقد شارك الجَزَري في بعض المشايخ فربما التبس به على من لا فهم له، مات سنة ١٢٦ هـ انظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ٥٨ - ٥٩، و"ميزان الاعتدال" ٣/ ٣٦٠ - ٣٦١، و"الكاشف" ١/ ٦٦١ (٣٤٣٢)، و"تقريب التهذيب" ص ٣٦١ (٤١٥٦).
(٤) "تفسير مجاهد" ١/ ٣٥٩ بنصه، أخرجه "الطبري" ١٥/ ٥٥ - ٥٦، بنحوه عن عكرمة وسعيد، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٣٤، بنحوه عن مجاهد، و"تفسير الجصاص" ٣/ ١٩٥، بنحوه عن مجاهد وعكرمة، و"الدر المنثور" ص ٣٥٩ وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر.


الصفحة التالية
Icon