لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} الآية [هود: ١١٧]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فقد قال -عز وجل- وحكم بأنه لا يُهلك قرية حتى يخالفوا أمره (١) في الطاعة، فإذا خالفوا الأمر حق عليهم قوله بالعذاب.
وقوله تعالى: ﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾، أي: أهلكناها إهلاكَ الاستئصال، والدمارُ هلاكٌ بالاستئصال. وهذه الآية تأكيد لما سبق في الآية الأولى؛ لأن الله تعالى ذَكَرَ وبَيَّنَ أن العقاب إنما يحق على الناس بعد مخالفتهم أمر الله.
١٧ - ثم ذكر سُنته في إهلاكِ القرون الماضية تخويفًا لكفار مكة، فقال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ الآية. وهذه الآية كقوله (٢): ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ [الأنعام: ٦]، وقد مر.
وقوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ﴾ ذَكَرنا الكلام في هذه الباء في مواضع (٣).
وقال الفراء: لو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعًا، وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يُمدح به صَاحبُه أو يذم؛ كقولك: كفاكَ به، ونهاكَ به، وأكرِم به رجلاً، وبِئس به (٤) رجلاً، ونِعْمَ به رجلاً، وطاب بطعامك طعامًا، وجاد بثوبك ثَوبًا، ولو لم يكن مدحًا أو ذمًا لم يجز دخولها، ألا ترى أنه لا يجوز: قام بأخيك، وأنت تريد: قام أخوك، ولا

(١) في (أ)، (د): (أمر).
(٢) في جميع النسخ: (لقوله)، وهو تصحيف ظاهر.
(٣) وقد ذكر الواحدي عند قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦] أن استقصاء الحديث عن الباء في السورة نفسها عند قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [آية: ٤٥]، لكن الجزء المتضمن لهذه الآية مفقود -كما ذكر محقق هذا الجزء.
(٤) (به): ساقطة من (د).


الصفحة التالية
Icon