فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه خبر، حتى أرجف أهل مكة به، وقالوا: وعدنا محمد غدًا واليوم خمس عشرة ليلة، وشقّ عليه ذلك، ثم جاءه جبريل من الله -عز وجل- بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبة الله إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوا عنه من أمر الفتية، والرجل الطوّاف) (١).
وافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروه عليه من ذلك وهو قول: ﴿أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف: ١]، فذكر أنه أنزل عليه القرآن للإنذار والتبشير إلى قوله: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾، يعني قريشًا في قولهم: الملائكة بنات الله (٢).
ثم عاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم من الإسلام بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ الآية. ثم قال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أيهم أتبعُ لأمري وأعمل بطاعتي، ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، يعني أنَّ ما على الأرض فانٍ زائل، وأن المرجع إلى فأجزي كلا بعمله، فلا يحزنك ما ترى وتسمع.
ثم أخبر عن ما سألوه عنه من شأن الفتية فقال: ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ فقال أبو إسحاق: (معناه: بل حسبت) (٣). والكلام في ﴿أَمْ﴾ في مثل هذا

(١) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٧، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٠، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٢٩ - ٢٣٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٣، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٠، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٣٠٦، و"لباب النقول في أسباب النزول" ص ١٤٣، و"جامع النقول في أسباب النزول" ص ٢٠٨، و"الفتح السماوي" ٢/ ٤٩٤.
(٢) نحو قوله تعالى في سورة النحل الآية رقم (٥٧): ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾، وقوله سبحانه في سورة الصافات الآية رقم (١٤٩): ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٢٨٥.


الصفحة التالية
Icon